“الغرب وإيران: هل نشهد مواجهة مؤجلة أم تصعيد نحو صدام نووي وشيك؟”

في ظل التوترات الإقليمية وتضارب المصالح الدولية، يبدو أن المواجهة بين إيران والغرب مؤجلة بدلاً من أن تُحل. وتتزايد الدلائل على أن الهدوء الحالي لا يقوم على اتفاق مستقر، بل على وقف إطلاق نار يُفرض بقوات برية وخسائر اقتصادية. في الوقت نفسه، تُحذر إسرائيل الغرب بشكل متزايد من أن إيران قد تصبح قوة نووية حقيقية. وهذا يُعيد إحياء سيناريو الهجوم البري كخيار مُحتمل لحل الصراع في مراحله الأخيرة.
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في 24 يونيو/حزيران، يُطرح السؤال: هل سيصمد وقف إطلاق النار، أم ستعود التوترات وتنشب الحرب مجددًا؟ لا يوجد اتفاق مكتوب على خارطة طريق لفترة ما بعد وقف إطلاق النار. أعلن كلا الجانبين النصر وخان كل منهما إرادة الآخر، مما يزيد من احتمال تجدد المواجهات المسلحة.
يعتقد المراقبون أن هذا مجرد وقف إطلاق نار مؤقت، إذ لا تزال جذور الحرب التي اندلعت فجر 13 يونيو قائمة. تُصرّ طهران على أن مشروعها النووي سيستمر ولن يتراجع، لا سيما أنه بدأ قبل نحو ربع قرن وأصبح مشروعًا وطنيًا إيرانيًا حشد الشعب الإيراني. أي انسحاب سيُعدّ خيانة جماعية لآمال أكثر من 90 مليون إيراني.
لطالما صوّر النظام الإيراني المشروع النووي كوسيلة للتحرر من الحصار والمقاطعة والعقوبات الغربية، وسبيلًا ضروريًا لتحقيق السيادة الوطنية. لذلك، لا يُمكن تفسير الانسحاب اليوم إلا على أنه استسلام وهزيمة استراتيجية، وليس مجرد تغيير في المسار. يتغلغل هذا التفسير في الخطاب الإيراني الرسمي، ويؤثر على قراراته بشأن مستقبل القضية النووية.
من ناحية أخرى، تعرضت إسرائيل لهجمات صاروخية كثيفة شلت العديد من مراكزها الخدمية والاستراتيجية الحيوية. وبسبب دقة الهجمات، خرجت العديد من هذه المرافق عن الخدمة تمامًا، مما أثار صدمة المجتمع الإسرائيلي. بدت البنية الداخلية للأراضي المحتلة مكشوفة، ليس فقط من الناحية الأمنية، بل أيضًا على الصعيد الداخلي الهش، الذي تأثر بشدة بصدمة الحرب.
لقد خلّف مشهد الأبراج المدمرة، والمناطق السكنية المدمرة، ومراكز القيادة والسيطرة المنهارة، ومقرات الموساد، ومختبرات الأبحاث العسكرية، ندوبًا نفسية عميقة في نفوس الإسرائيليين الذين اعتادوا رؤية هذا الدمار في غزة ولبنان ودول عربية أخرى. هذه المرة، انقلبت الصورة: فإسرائيل تتلقى الآن ما اعتادت تصديره، مما يفاقم الأزمة النفسية داخل البلاد.
وبحسب مصادر، كانت الخسائر الفادحة التي تكبدتها قوات الاحتلال نتيجة ارتفاع تكلفة الحرب، والتي تتجاوز مليار دولار يوميًا، أحد الأسباب الرئيسية لوقف إطلاق النار. وقد تلقت حكومة البلاد أكثر من 40 ألف طلب تعويض، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد نظرًا لخسائر أصحاب المصانع والشركات، بالإضافة إلى خسائر المنازل والمركبات والبنية التحتية. وقد زاد هذا من الضغط الشعبي والتجاري على صانعي القرار في تل أبيب.
تشير التقارير إلى أن حوالي 15 ألف مستوطن فقدوا منازلهم بالكامل. ولم تتمكن الحكومة الصهيونية من توفير أماكن إقامة فندقية لهم، بل اضطرت إلى نصب خيام في الساحات العامة والحدائق. وقد أصبح هؤلاء السكان مصدر ضغط مباشر على الحكومة المتطرفة التي تدير المنطقة، لا سيما في ظل تصاعد الغضب والاستياء من عجز الحكومة الواضح عن تلبية أبسط احتياجات المعيشية لهؤلاء المستوطنين المتضررين.
كان النزوح الجماعي للمستوطنين من تل أبيب سببًا آخر لتسريع نهاية الحرب. لم يكن هؤلاء اللاجئون من أوروبا وأمريكا معتادين على رؤية منازلهم تُقصف. لجأوا إلى تل أبيب كـ”وطن بديل”، ليواجهوا حربًا مفتوحة وسماءً مُدنّسة. أدى هذا إلى موجة هجرة عائدة هائلة، ودفع سلطات تل أبيب إلى إعادة النظر في قرارها بمواصلة الحرب.
يُفسر الضغط الاقتصادي وحده طلب تل أبيب المتسرع بوقف إطلاق النار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصةً وأن الحرب الأخيرة سبقتها أكثر من عشرين شهرًا من القتال المتواصل في غزة ولبنان وسوريا، بالإضافة إلى مناوشات متقطعة مع ميليشيات يمنية وعراقية مدعومة من إيران. وقد أضعف هذا الإرهاق العسكري والاقتصادي قدرة إسرائيل على الصمود، وهدد تماسك جبهتها الداخلية بشكل غير مسبوق.
في غياب اتفاق مكتوب بشروط واضحة، يعتقد العديد من المحللين أن وقف إطلاق النار قد ينهار في أي وقت. ويتجلى هذا بشكل خاص بعد انتعاش إسرائيل الاقتصادي وفشل منظومات دفاعها الجوي، التي دمرتها الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، مما ترك المجال الجوي فوق تل أبيب مكشوفًا تمامًا وغير قادر على التصدي بفعالية لهذه الهجمات.
في المقابل، كان المجال الجوي فوق طهران مفتوحًا أيضًا للطائرات الحربية الإسرائيلية، التي قصفت عشرات الأهداف الرئيسية دون أي رد فعل جدي من الدفاعات الجوية الإيرانية. ويُعزى هذا الفشل إلى تسلل واسع النطاق لعناصر نشطة إلى الأراضي الإيرانية. ومنذ اليوم الأول للمعركة، ساهمت هذه العناصر في تعطيل أنظمة الدفاع، فأصبحت هدفًا لكلا الجانبين، دون أن ينتصر أي منهما حتى وقف إطلاق النار.
ما قد يزيد الوضع العسكري تعقيدًا بين الجانبين هو إصرار كل منهما على مواقفه. فبينما يُصرّ الإيرانيون على مواصلة مشروعهم النووي والسعي إليه دون أي تنازلات، ترفض القوة المحتلة – بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – رفضًا قاطعًا أي إمكانية تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي مستقبلًا، حتى لو كان ذلك لأغراض سلمية أو على المدى الطويل.
أكد باحثون متخصصون سابقًا نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد عن 60%، ما يجعلها قريبة من بناء قنبلة نووية بدائية، مع امتلاكها في الوقت نفسه قوة تدميرية عالية. ويشيرون إلى أن هذا المستوى يضع طهران على شفا التحول من “مشروع نووي سلمي” إلى “قدرة ردع” يصعب احتواؤها دبلوماسيًا وعسكريًا.
يعتبر علماء الطاقة النووية التقدم الذي أحرزته إيران في تخصيب اليورانيوم إنجازًا متقدمًا. ويمثل تجاوز نسبة 20% التحدي التقني الأصعب، بينما تُعدّ المراحل التي تليها أسهل نسبيًا ويمكن تسريعها في فترة زمنية قصيرة. وهذا يسمح بإنتاج قنبلة نووية بمستوى تخصيب 90% أو أقل بقليل، مع الحفاظ على قوة تفجيرية فعالة.
في المقابل، أكدت الولايات المتحدة مرارًا رفضها القاطع للأسلحة النووية الإيرانية. وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء الجمعة الماضي أنه “لن يتردد في مهاجمة إيران مجددًا إذا حاولت امتلاك سلاح نووي”. وأضاف: “لا أستبعد أن تمتلك إيران منشآت سرية تخفي فيها جوانب من مشروعها النووي”. وهذا دليل واضح على فقدان الثقة التام بالتصريحات الإيرانية.
في ظل تصاعد صراع الإرادات بين الجانبين، يُتوقع تحولٌ في مسار المواجهة بين إيران والغرب. ويرى بعض المحللين أن الهجوم البري خيارٌ ممكن، إن لم يكن ضروريًا، لإنهاء المشروع النووي الإيراني. ويصدق هذا بشكل خاص في ظل الخطاب العدواني للقوة المحتلة تجاه الولايات المتحدة والدول الأوروبية، مهددةً إياهم بإمكانية تحوّل البرنامج النووي الإيراني إلى تهديد استراتيجي شامل يتجاوز حدود المنطقة.
أعلنت القوة المحتلة أن إيران تمتلك صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، يتجاوز مداها 2000 كيلومتر، وتستخدمها لمهاجمة أهداف حساسة في حيفا وتل أبيب والقدس المحتلة. وتؤكد تقارير استخباراتية امتلاك إيران صواريخ إضافية يصل مداها إلى 4000 كيلومتر، قادرة على حمل رؤوس نووية، ما قد يهدد العديد من الدول الأوروبية وبعض الولايات الأمريكية. وقد زاد هذا من مخاوف الغرب من أن إيران تتطور لتصبح قوة ردع نووية لا يمكن السيطرة عليها.
دفع هذا التطور الاستراتيجي العديد من السياسيين الأوروبيين إلى التحذير من أن إيران أصبحت نموذجًا يُشبه كوريا الشمالية في قدرتها على ابتزاز الغرب وتهديد استقراره. وأكدوا على ضرورة منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، لأن ذلك سيُغير قواعد التعامل الجيوسياسي في الشرق الأوسط، ويُحوّل القضية الإيرانية من نطاق الترتيبات الدبلوماسية إلى نطاق الردع النووي.
في ظل التوترات الحالية بين الجانبين، يوشك الاتفاق الهش على الانهيار. ويُنذر صراع جديد مدمر ما لم تُوضع آليات واضحة لحل صراع النفوذ في المنطقة. ولا يبدو أن أيًا من الجانبين مستعد لتقديم تنازلات، ولا تزال الفجوة بين مواقفهما السياسية والعسكرية واسعة. وبالتالي، قد يكون وقف إطلاق النار معرضًا للخطر في أي وقت.
قد يشتعل الصراع مجددًا قريبًا، خاصةً إذا تسارعت وتيرة جهود إنهاء حرب غزة، وهي خطوة يسعى دونالد ترامب حاليًا إلى ترسيخها. إذا أُعيد رسم خريطة المنطقة كما هو مخطط لها، فقد نشهد تطورات حاسمة خلال ساعات. تشير التسريبات الغربية إلى نية توسيع الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وسوريا، والقضاء على فصائل المقاومة، ثم نقل إدارة قطاع غزة إلى قوة عربية مشتركة، تتولى مسؤوليات أمنية وإدارية ضمن حل شامل.