المصريون يتساءلون: «ناكل إيه؟»

منذ 9 ساعات
المصريون يتساءلون: «ناكل إيه؟»

تكلفة الوجبات اليومية تربك النساء وتؤدي إلى الخلافات الزوجية

 

لقد أصبح ارتفاع الأسعار شبحاً يهدد كل منزل ويلتهم كل ميزانية. إن الأصوات المتذمرة من متوسط العمر، رغم زيادة الحد الأدنى للأجور وزيادة المعاشات، لا تعادل الزيادات المتكررة في أسعار السلع، وعلى وجه الخصوص فإن العديد من المؤسسات غير الحكومية لا تلتزم بدفع الحد الأدنى للأجور للعاملين موظفيها، وهناك بعض الموظفين الذين لم يتم التعاقد معهم بشكل رسمي على الإطلاق. وجميعهم لم يشهدوا أي زيادة في الدخل، وزادت معاناتهم بسبب ارتفاع الأسعار، حتى أصبحت غالبية الأسر، وخاصة الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود، تكافح من أجل تلبية احتياجات الحياة الأساسية مع التخلي عن كل شيء. وسائل العيش وفقدت توازنها واحترقت في نار غلاء الأسعار! فكم من رجل قهرته الدنيا تحت وطأة الشح وعدم القدرة على تلبية احتياجات أسرته، وكم من أم ظلمها ارتفاع الأسعار وعجزت عن تلبية أبسط احتياجات أبنائها أو إدخال الفرحة على قلوبهم. قلوبهم الرقيقة! وهل هناك طريقة للتغلب على أزمة ارتفاع الأسعار بما يحفظ صورة الأسرة وتماسكها؟

الأسعار أحرقت الجميع

“لقد تخليت عن كل المواد الترفيهية ولم أعد أعتمد إلا على المواد الغذائية الأساسية”. بهذه الكلمات عبرت “ربة منزل” دينا محمود عن معاناتها بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية الذي أجبرني على التنازل كل منتجات الألبان المفضلة لدي والجبن والتخلي عن عصائر أطفالي” لإلهائي كل شهر، فكيف أتمكن من التأقلم وأحياناً أضطر إلى استجداء المعلمين؛ إن تخفيض سعر السهم أو دفع المبلغ بالتقسيط للأبناء حتى أتمكن من الوفاء به ينفطر قلبي، وفي كل مرة أشكو لزوجي من مكاني وأن البدل لا يكفي، أجده أيضا عاجزا.

وتابعت: «على مدار حياتنا نجد أن الأسعار ترتفع مع المواسم والمناسبات. وكانت هذه الزيادة في حدود جنيه أو جنيهين أو حتى عشرة جنيهات. لكن كيف ترتفع الأسعار في شهر ويصل سعر كيلو الحليب إلى 40 جنيهاً بدلاً من 20 جنيهاً والجبن الرومي إلى 75 جنيهاً لربع الكيلو؟ كنا نسمي الأكل غالي، تكلفة وجبة البلطي وصلت إلى 300 جنيه”.

منال رضا، ربة منزل، وافقتها على رأيها وقالت: “ارتفاع الأسعار أثر على حياتي كلها. إن النفقة التي يمنحها لي زوجي لم تعد تغطي أبسط احتياجات البيت والأطفال، كالملابس وأقساط المدرسة”. وعندما أطلب منه المزيد، يسأل: “من أين؟” وهذا يسبب مشاكل دائما، وأشارت إلى أنها لم تعد قادرة على شراء اللحوم المحلية بسبب ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وتعتمد بشكل أساسي على اللحوم التي تقدمها الدولة بسبب انخفاض الأسعار 180 جنيها، وأصبح سعرها الآن 270 جنيها للكيلو.

وقالت هالة مصطفى: “بعد تسوق مستلزمات المنزل كل شهر، بدأت أذهب إلى السوبر ماركت في مواجهة هذا السعر المرتفع الذي أثر على معيشة الأسرة واحتياجاتها الضرورية، وبدأت أقف حائرة: ماذا أشتري ولماذا؟ كم ثمن؟ بعد هذه الحيرة أغير أولوياتي وأتخلى عن أشياء كثيرة كنت أشتريها. وعندما أطلب من زوجي زيادة المخصصات، يجيبني أنه ليس لديه فائض وعليك تدبير أمورك في حدود المبلغ المتاح، فأجد نفسي في معضلة كبيرة.

وأضافت: “لقد خفضت كميات البروتين الحيواني إلى الحد الأدنى، لكن هل من المعقول أن يصل سعر كيلو البطاطس إلى 30 جنيهاً وزجاجة الزيت 85 جنيهاً والأرز المحلي 40 جنيهاً، وإذا اخترت؟ ولتحضير وجبة بسيطة، يبلغ سعر كيلو ونصف من البطاطس نحو 45 جنيها، والأرز 40 جنيها، والطماطم 20 جنيها، والزيت والسمن والبهارات والبصل 100 جنيه. لاحظ أن هذا تقدير منخفض. ثم تكلفة وجبة “قرديحي” 205 جنيهات. بمعنى آخر تكلفة الوجبة لأسرة مكونة من 5 أفراد شهريا هي، وهذا يستبعد تماما مشاكل سوء التغذية والسمنة والنمو عند الأطفال ويرحب بالخلافات العائلية والطلاق.

وقالت ياسمين إسماعيل، أم لثلاثة أطفال: “الأسعار في ارتفاع مستمر كل يوم، وأحياناً يصل الارتفاع إلى الضعف مقارنة باليوم السابق، وهو ما يجعلني في حيرة دائمة حول ما إذا كان بإمكاني توفير وجبة كاملة تحتوي على مصدر للبروتين والمواد المغذية لنفسي”. “الأطفال”، وتؤكد: “أحضر ما أحتاجه بالضبط، فلا أستطيع شراء الكميات بكافة أنواعها، وتجد لهم وجبة مفيدة ومغذية وبسيطة وسهلة التخزين، دون الحاجة إلى القلق”. تفسد على مدار اليوم الدراسي، لكن أسعارها تستمر في الارتفاع، ومع ذلك أحاول التأكد من عدم تخزينها بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان ذلك على حساب مستلزمات أخرى، وأحاول أيضًا لعمل بعض البدائل في المنزل، مثل المعجنات.

“ما يظهره الإعلام على لسان المسؤولين عن أسعار المواد الغذائية شيء، وما نجده في الأسواق شيء مختلف تماما”، أكدت فريدة علاء، أم لطفلتين، في حديثها معنا أن تكلفة الوجبات اليومية نظرا لارتفاع أسعار الخضار والبقول والحبوب واللحوم والدواجن أصبح بالطبع أمرا لا بد منه، مضيفا أن الأسعار الرسمية المتداولة أقل من نصف هذا المبلغ، لكن يبدو أن السعر الفعلي في الأسواق كذلك ونقاط إلى أن البحث اليومي عن الغذاء الصحي أصبح معضلة. وشددت على أن أسعار اللحوم منعتها من جعلها سلعة أساسية، لكنها لا تزال تحاول توفيرها يوما واحدا في الأسبوع، سواء كان دجاجا أو سمكا أو لحما أحمر، مشيرة إلى أن البيض أيضا أصبح من المحرمات بعد أن ارتفعت أسعاره إلى ستة و سبعة جنيهات حسب النوعية والحجم، مشيرة إلى أن الحاجة للطعام في السابق كانت موجودة باستمرار في المنزل وحتى اكتظاظه، وليس بكميات “على القد”، وهو ما يزعجها كثيرا ويجعلها تشعر بالإهمال تجاه أطفالها.

وأكدت إحدى الأمهات العاملات في الجهات الحكومية، ولديها ولدان في المرحلتين المتوسطة والثانوية، أن «اللحوم أصبحت عبئاً على الأسرة لأنها في تزايد مستمر»، وأنها تواجه مشكلة حالية لأن أطفالها اعتادوا عليها. تناول اللحوم المشوية حيث يبقون في الشوارع لفترات طويلة بسبب الدروس الخصوصية التي يتلقونها بعد العمل. وأضافت: “إنهم في مرحلة البلوغ والنمو ويحتاجون إلى الكثير من العناصر الغذائية”، مشيرة إلى أنها حددت الآن الأصناف التي ارتفعت أسعارها بيومين فقط في الأسبوع. كما اختارت شراء اللحوم المستوردة بـ300 جنيه بسعر أقل من محلات الجزارة لتوفير 150 جنيها للكيلو جرام، وسبب ارتفاع سعر «الشريحة» من 160 جنيها الأسبوع الماضي إلى 220 اليوم، فأجابها: “الأمر خارج أيدينا والله سكتت وقررت عدم شرائها”، وتكتفي بشراء دجاجة واحدة يصل سعرها إلى 200 جنيه بدلا من اثنتين. وعن باقي أيام الأسبوع، قالت إن هناك أيام معينة للأطعمة الشعبية مثل العدس والكشري، لكن أسعار العدس مرتفعة أيضا حيث بلغ وزن الكيلو 75 جنيها ولم يعد أكلة شعبية والفاصوليا المجففة وصلت إلى 120 جنيها. للكيلو الواحد، وتقول: «حتى الأطعمة التي كنا نظنها بدائل للدجاج واللحوم، أصبحت ذات قيمة بالنسبة لنا».

تغيير ثقافة الأكل

دكتور. وقالت انتصار سعد، أستاذ التغذية بجامعة عين شمس، إن الثقافة الغذائية لدى الأسر تحتاج إلى تعديل في ظل ارتفاع الأسعار، وذلك من خلال تجنب تناول الوجبات الجاهزة والسريعة والتوصيل. مع الاعتماد على طهي كل ما يمكن طهيه في المنزل، يجب على أفراد الأسرة تناول قدر حاجتهم فقط، حيث أن ملء المعدة بالطعام يشكل ضغطًا كبيرًا على المعدة أثناء عملية الهضم ويؤدي إلى زيادة الوزن ويؤدي إلى الإصابة بالأمراض.

وعن طرق الحفظ، أشار سعد إلى إعادة استخدام بقايا السندويشات المدرسية للأطفال، وذلك من خلال إخراج المواد الغذائية الموجودة فيها وتقطيع خبز الفينو لتجفيفه في الفرن، ومن ثم طحنه لاستخدامه في مكونات غذائية أخرى، وفي حال وجود أرز فائض، قم بتخزينه في الفريزر في صندوق بلاستيكي أو كيس سميك ومتين حتى يتم إعادة استخدامه. في حالة وجود فائض من الطعام المطبوخ، يتم فصل الصلصة عن الفواكه المطبوخة وتخزينها في أكياس لاستخدامها مرة أخرى، ومن هنا نتعلم تقليل كمية الطماطم المستهلكة أثناء الطهي، حيث يتم غسل الخضار المطبوخة بالماء ويمكن يمكن إعادة تدويرها، على سبيل المثال عن طريق تحويل البطاطس إلى بطاطس مهروسة في الفرن، أو إعادة استخدامها في التونة (مثل حساء الخضار)، أو جمع بقايا الخضار بجميع أنواعها واستخدامها في طاجن الخضار، وإعادة استخدام نفس نوع الصلصة التي كانت في السابق مخزنة.

وتابعت: “إذا لاحظت أن بعض الفواكه على وشك أن تفسد، فمن الأفضل تقطيعها وتخزين كل صنف على حدة وتجميدها في الفريزر حتى إخراجها واستخدامها في صنع كوكتيلات الفواكه، أما الليمون من خلال عصره، سكب العصير في قوالب الثلج، وتجميدها في الفريزر ومن ثم وضع مكعبات الليمون في أكياس لاستخدامها عند الحاجة، مع تجفيف قشر الليمون وطحنه ومن ثم استخدامه في أنواع الكعك المختلفة، يضيف مذاقاً رائعاً. إذا كان الخبز جافاً أو بقي منه قطع صغيرة ولا يريد أحد أن يأكلها، يتم تقطيعه إلى قطع صغيرة هنا ويعجن مرة أخرى في الفرن مع إضافة الخميرة، ويصنع منه خبزاً مرة أخرى. ومن الأفضل أيضًا تحضير الزبادي في المنزل حتى لو كان سعر الزبادي مرتفعًا لأنه سينتج كمية أكبر.

ولمواجهة ارتفاع الأسعار قال د. انتصار سعد، أن ربة المنزل يجب أن تتعلم تحضير الأطعمة التي يشتريها الأطفال بأسعار باهظة في المتاجر والمطاعم لأنها تشكل عبئا على الأسرة. والآن أصبح من السهل تعلم هذه الطرق، استخدمي الإنترنت وتخفيف العبء عن ميزانية الأسرة، وكذلك الطبخ في المنزل. وتنتج كمية أكبر تكفي لعدة أيام وبتكلفة أقل. كما أنه من الضروري اختيار البدائل الأكثر ملائمة، مثل معرفة طريقة عمل الطحينة والحلاوة الطحينية والجبن القريش في المنزل، وفي نفس الوقت اختيار بدائل للمنتجات الأرخص، ويجب تجنب استهلاك المنتجات ذات الأسعار المرتفعة والعائلة. يجب عليك شراء أنواع مختلفة من الخضار في موسمها، وستتعلم كيفية تخزينها وتجميدها وتجفيفها بسعر معقول حتى تتمكن من استخدامها عند ارتفاع الأسعار.

ترشيد الاستهلاك

في الوقت نفسه، يقول حسين عبد الباقي، الخبير الاقتصادي، إن مصر تعاني حاليا من أزمة اقتصادية حادة، لها العديد من الآثار السلبية على الأسرة، أهمها الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، وهو ما حدث في العام الماضي بشكل غير مسبوق، وكان ذلك نتيجة انخفاض قيمة الجنيه. وارتفع معدل التضخم بشكل ملحوظ، مما فرض أعباء إضافية على الأسرة المصرية تتجاوز دخلها الحقيقي ووضعها في موقف لا مفر منه، ويصاحب هذه الأعباء دخل محدود للغاية، وهو ما يتطلب من الأسرة التكيف مع الوضع الحالي حتى الاقتصاد المصري يتعافى.

ويرى عبد الباقي أن الأسرة المصرية ليس أمامها خيار سوى ترشيد استهلاك كافة السلع والخدمات، والقضاء على بعض المشتريات غير الضرورية، والحد من شراء الملابس غير الضرورية، والسماح لرب الأسرة بإيجاد عمل إضافي لتكملة دخله، أو المشاركة في نشاط مشروع صغير سيوفر له دخلاً إضافياً، ويجب نشر ثقافة العمل بين جميع أفراد الأسرة، ولا يقتصر العمل فقط على رب الأسرة لتحسين الدخل، ويمكن للمرأة غير العاملة الانضمام المشاركة في مشاريع إنتاجية صغيرة مثلاً ماكينة خياطة أو مشروع طير. إنتاج وتسويق البيض خاصة في الريف وتجنب شراء البيض لأن تكلفة إنتاج البيض ترتفع ونظراً لكثرة الطيور فإن ذلك حتماً أقل من سعر شرائها في السوق، فالاستفادة من بقايا علف البيض الأسرة لإطعام الطيور وخلق بيئة إنتاجية للأسرة المصرية، مؤكدا أن هذا السلوك الاقتصادي الرشيد سيؤدي إلى انخفاض الأسعار وفقا لنظرية العرض والطلب.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه يمكن للأسر استغلال مساحاتها وأسطحها الموجودة لزراعة بعض الخضروات الصالحة للاستخدام مثل البصل والجرجير وغيرها وتجنب شراء هذه المنتجات تماما. ومن الممكن أيضًا التخلي عن الدروس الخصوصية. إشراك الأطفال في مجموعات التمكين عند الضرورة ونشر ثقافة الاعتماد على الذات. بالنسبة للطالب، عليه كما في الماضي أن يحضر جميع الفصول، ويحقق رقابة صارمة على المعلمين العاملين في المدرسة، ويجتهد في الفصل، ويقضي على ظاهرة التعليم الخاص الذي يكلف أكثر من 16 مليار جنيه سنويا.

واختتم الخبير حديثه بالكلمات: “لا يُسمح للعائلات بالتسوق إلا حسب احتياجاتها، دون إسراف. يمكن أيضًا استخدام حقائب العام الدراسي السابق في العام الجديد طالما أنها في حالة جيدة من الملابس واللوازم المدرسية وما إلى ذلك، كما يمكن لرب الأسرة أن يقوم بدور المعلم الخاص له الأطفال إذا كان لديه الوقت والقدرة على التدريس ونقل المعلومات وتقبل الابن ذلك لتقليل الإنفاق على الدروس الخصوصية والتأكيد على أن ترشيد الاستهلاك أصبح ضرورة لجميع الأسر في مواجهة الارتفاع الجنوني لأسعار كل شيء. .

 

 


شارك