ننشر نص كلمة الرئيس السيسي في القمة العربية

أود في البداية أن أتقدم بخالص التحية وعميق الشكر لأخي جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين الشقيقة على جهوده المقدرة على أعلى مستوى خلال رئاسته لمجلس جامعة الدول العربية.
يسعدني أن أهنئكم جميعاً وشعوبنا العربية والإسلامية بحلول شهر رمضان المبارك.
ويسعدني أيضًا أن أرحب بكم في بلدكم الثاني مصر، البلد الذي يقف دائمًا إلى جانب الحق والعدل، مهما كانت الكوارث عظيمة والمصاعب عظيمة.
إن مشاركتكم اليوم في هذه القمة الاستثنائية، في خضم أزمة إقليمية بالغة التعقيد، واستجابة لنداء فلسطين الشقيقة، تؤكد التزامكم الثابت بالهموم المشروعة لبلادنا.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إننا اليوم متحدون أمام واقع مؤلم في مواجهة التحديات الهائلة التي تواجه منطقتنا، والتي تكاد تدمر الأمن والاستقرار الإقليمي، وتقوض آخر أسس الأمن الوطني في العالم العربي، وتهدد الدول العربية المستقرة، وتستولي على الأراضي العربية من أصحابها… دون أي أساس قانوني أو ديني.
أمام أحداث غزة، ستتوقف الإنسانية طويلاً لتدرك كم خسرت الإنسانية جمعاء، وكيف ترك العدوان على غزة وصمة عار في تاريخ البشرية: “نشر الكراهية وانعدام الإنسانية وغياب العدالة”.
إن أطفال ونساء غزة، الذين فقدوا أحباءهم وعشرات الآلاف منهم قتلوا أو تيتموا، يتطلعون إليكم اليوم على أمل أن تعيدوا إليهم الأمل في السلام العادل والدائم.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إن الحرب المريرة في غزة كانت تهدف إلى تدمير سبل العيش والفرص وتطهير القطاع من سكانه بقوة السلاح، وكأن شعب غزة قد تم اختياره بين الفناء المؤكد… أو الطرد القسري… وهذا هو بالضبط الوضع الذي تواجهه مصر. وتدعم حق الشعب الفلسطيني في أرضه وتريد منه أن يبقى فيها بشرف وكرامة… حتى نرفع الظلم الواقع عليه ولا نشارك فيه.
إن الممارسات اللاإنسانية التي يتعرض لها شعبنا في فلسطين قد أضعفت عزيمة البعض. ولكنني كنت دائماً على ثقة من صمود وشجاعة الشعب الفلسطيني النبيل، الذي ضرب المثل في الصمود والولاء للوطن. وسوف تقف الشعوب الحرة أمامهم بالاعتراف والإعجاب.
وأقول لكم بكل صدق: إن صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه هو مثال الصمود في استعادة الحقوق.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
وفي هذا الظرف الدقيق، أود أن أذكركم بأن مصر التي أدخلت السلام في منطقتنا منذ ما يقرب من خمسة عقود، والتي كانت عزيزة على قلبها، والتي التزمت بتعهداتها في هذا الشأن… لا تعرف إلا السلام المبني على الحق والعدل، والذي يحمي الموارد، ويؤمن الأرض، ويحفظ السيادة…
ولعل هذا ما عبرت عنه ـ بكل وضوح ـ معاهدة السلام التي وقعتها مصر عام 1979… والتي ألزمت كل طرف باحترام سيادة الطرف الآخر وسلامة أراضيه.
وهذا يترتب عليه التزام قانوني بعدم خلق واقع يهجر سكانه من أرضهم، لأن ذلك يشكل خرقاً لالتزام احترام حرمة الحدود الآمنة. وفي إطار سعيها إلى تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، سعت مصر منذ اليوم الأول لحرب غزة إلى تحقيق وقف إطلاق النار بالتعاون مع أشقائنا في قطر وأصدقائنا في الولايات المتحدة. ولم يكن ذلك ممكنا لولا الجهود المقدرة التي بذلها الرئيس دونالد ترامب وإدارته، ونأمل أن تستمر هذه الجهود بهدف تحقيق وقف إطلاق نار مستدام في غزة، والحفاظ على الهدوء بين الجانبين، وإعطاء الأمل للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة، وضمان السلام الدائم في المنطقة بين جميع الشعوب. كما عملت مصر بالتعاون مع أشقائنا في فلسطين على تشكيل لجنة إدارية مكونة من خبراء وتكنوقراط فلسطينيين مستقلين، أوكلت إليها إدارة قطاع غزة على أساس الخبرة التي يتمتع بها أعضاؤها… بحيث تتولى هذه اللجنة الإشراف على جهود الإغاثة وإدارة شئون القطاع لفترة مؤقتة، تمهيداً لعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع. وتعمل مصر أيضاً على تدريب قوات الأمن الفلسطينية التي ستتولى مسؤولية حفظ الأمن في قطاع غزة في المرحلة المقبلة. وعملت مصر مع شقيقتها فلسطين والمؤسسات الدولية على إعداد خطة شاملة ومتكاملة لإعادة إعمار قطاع غزة دون تشريد الفلسطينيين. وقد بدأت هذه الخطة بجهود الإغاثة العاجلة وإعادة الإعمار المبكرة، مما سيؤدي إلى عملية إعادة إعمار القطاع. وتدعو مصر إلى اعتماد هذه الخطة في قمتنا اليوم وحشد الدعم الإقليمي والدولي لها. وهي خطة تحفظ حق الشعب الفلسطيني في إعادة بناء وطنه وتضمن بقائه على أرضه. وأشدد على أن هذه الخطة يجب أن تسير في مسار مواز لخطة السلام من منظور سياسي وأمني، وتشرك دول المنطقة بدعم من المجتمع الدولي، وتهدف إلى التوصل إلى حل عادل وشامل ومستدام للقضية الفلسطينية. ومن هذا المنبر أدعو كل الدول الحرة والصديقة إلى دعم هذا المسار، والمشاركة بفعالية في مؤتمر إعادة الإعمار الذي تستضيفه مصر الشهر المقبل. فلنجعل جميعا الدعم المباشر للصندوق الذي سيتم إنشاؤه لهذا الغرض هدفا نبيلاً وواجبا إنسانيا وحقاً لكل طفل وأسرة فلسطينية في العيش في بيئة آمنة ومتحضرة مثل باقي شعوب العالم.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
وإزاء هذه الأحداث المتوالية، يتعين علينا جميعاً أن نعبر عن رفضنا المطلق وإدانتنا للهجمات والانتهاكات التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة… بما في ذلك الاقتحامات العسكرية لمدن ومخيمات الضفة الغربية المحتلة، وأنشطة الاستيطان، ومصادرة الأراضي. وفي هذا السياق فإننا نجدد رفضنا القاطع للاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى والانتهاك المتعمد لحرمته والإخلال بالوضع القائم فيه، ونحذر من عواقب هذه الاعتداءات. ونقولها بكل وضوح: “القدس ليست مجرد مدينة… بل هي رمز لهويتنا وقضيتنا”. إن الحديث عن السلام في الشرق الأوسط دون حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو كلام فارغ ولا يمكن تحقيقه. بدون إقامة الدولة الفلسطينية لن يكون هناك سلام حقيقي. دعوني أؤكد: “السلام لن يأتي بالقوة. “لا يمكن فرضه بالقوة.” ويجب إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقاً لمبادئ الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وفي الوقت نفسه، يجب توفير كافة الضمانات اللازمة للحفاظ على أمن إسرائيل. وأمام تكرار حلقة العنف المفرغة واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود، يتعين علينا أن ننظر إلى الواقع بموضوعية ونواجه الحقائق. ويجب علينا أيضًا أن نجمع قوانا لتحقيق السلام الدائم الذي نرغب فيه وبالتالي الاستقرار والازدهار الاقتصادي والتعايش الطبيعي بين شعوب المنطقة. ولننظر إلى معاهدة السلام التي تم توقيعها بين مصر وإسرائيل عام 1979 بوساطة أميركية باعتبارها نموذجاً يحتذى به في تحويل حالة العداء والحرب والانتقام إلى سلام دائم وعلاقات دبلوماسية متبادلة. لقد حان الوقت للانطلاق في مسار سياسي جدي وفعال يقود إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية. وأنا على ثقة بأن الرئيس ترامب قادر على القيام بذلك، نظراً لرغبتنا الصادقة في إنهاء التوترات والأعمال العدائية في منطقتنا. شكرا لكم على الاستماع.