تحديات جيوسياسية تهدد النظام التجاري العالمي: معلومات الوزراء تكشف التفاصيل

منذ 7 ساعات
تحديات جيوسياسية تهدد النظام التجاري العالمي: معلومات الوزراء تكشف التفاصيل

أكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء التزامه برصد وتحليل وإعداد التقارير حول جميع القضايا المتعلقة بالتنمية الاقتصادية الإقليمية والعالمية، بما في ذلك ما تتناوله مراكز الفكر والمؤسسات الدولية ووكالات الأنباء الإقليمية والدولية. كما يرصد المركز الاتجاهات والتأثيرات والآراء المختلفة المؤثرة في الشأن المصري أو في نطاق اهتمامه.

في هذا السياق، استعرض مركز المعلومات العديد من التقارير الدولية المهمة الصادرة عن وكالات فيتش للتصنيف الائتماني، وبلومبرغ، والبنك الدولي، والأونكتاد. وتقدم هذه التقارير تحليلات دقيقة وشاملة للمشهد التجاري العالمي الراهن، وتسلط الضوء على ملامح مرحلة جديدة في تطور التجارة العالمية. وأشار المركز إلى أن التجارة العالمية ستشهد مرحلة شديدة التقلب في عام 2025 نتيجة تزايد النزعات الحمائية، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وتغير التحالفات التجارية، مما يشكل تحديات مباشرة وغير مباشرة للنظام التجاري العالمي.

فيتش: القيود التجارية والتوترات تتزايد

يشير تقرير نشرته وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في 10 يوليو/تموز إلى أن سياسات التجارة والاستثمار الجديدة المعلن عنها في أول بوابة إلكترونية للدول لهذا الشهر تؤكد استمرار القيود المفروضة على التجارة العالمية. تسعى الحكومات إلى حماية الصناعات المحلية في مواجهة تزايد حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي. ولدعم نقل الصناعات، تلجأ الحكومات بشكل متزايد إلى الدعم المالي لتعزيز القدرة التنافسية للقطاعات الاستراتيجية. في المقابل، تُزال بعض الحواجز التجارية، لا سيما في قطاع السلع الاستهلاكية، تدريجيًا وبشكل انتقائي. ويعكس هذا رغبةً في موازنة التوجهات الحمائية مع الانفتاح التجاري لدعم الدول الحليفة.

في هذا السياق، أدى 75% من التدابير الاثني عشر الجديدة والشاملة في السياسة الخارجية، المُعلن عنها خلال “بوابة الدول” في الأول من يوليو 2025، إلى تقييد التجارة العالمية، وفرض حواجز تجارية إضافية، وحد من الوصول إلى الأسواق. وأعلنت خمس أسواق رئيسية، منها الاتحاد الأوروبي، عن تدخلات مهمة في السياسة الخارجية خلال “بوابة الدول” في الأول من يوليو، وكانت الولايات المتحدة والهند الأكثر نشاطًا في هذا المجال.

تتبع الولايات المتحدة نهجًا ثنائيًا بتخفيف القيود على صادرات أشباه الموصلات إلى الصين، وفي المقابل، فرض رسوم جمركية مرتفعة على الأسواق الآسيوية والأوروبية والأفريقية. ويأتي ذلك تمهيدًا لتطبيق رسوم جمركية متبادلة اعتبارًا من 1 أغسطس/آب 2025. ومن بين التدابير الأخرى، فرضت واشنطن رسومًا جمركية بنسبة 50% على النحاس بموجب المادة 232 لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

أعلنت الحكومة الأمريكية أيضًا عن تعديلات في الرسوم الجمركية على دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وكازاخستان وماليزيا وتونس، بفرض رسوم جمركية إضافية تتراوح بين 25% و40%. في المقابل، مُنحت إعفاءات لأكثر من 1500 منتج من هذه الدول، وخاصةً تلك الخاضعة للرسوم الجمركية بموجب المادة 232.

واصل الرئيس الأمريكي نهج إدارته في السياسة التجارية، وأعلن في 11 يوليو/تموز 2025 فرض تعريفة جمركية بنسبة 35% على الواردات من كندا. وهدد برفع التعريفة إلى ما بين 15% و20% على معظم الدول الأخرى. وبرّر ذلك بحجة أن كندا تُقيم حواجز تجارية تُؤدي إلى عجز تجاري غير عادل.

رغم الإعفاءات الجزئية لبعض السلع بموجب اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، ظل قطاعا الصلب والألومنيوم خاضعين لرسوم جمركية تصل إلى 50%. كما أُعفي قطاع السيارات جزئيًا من الرسوم الجمركية نظرًا للترابط الوثيق بين السوقين.

في تطورٍ أكثر جدية، أفادت صحيفة فاينانشال تايمز في 9 يوليو/تموز 2025 أن الرئيس الأمريكي ترامب فرض رسومًا جمركية بنسبة 50% على السلع البرازيلية، مما تسبب في انخفاض حاد في قيمة الريال البرازيلي وسوق الأسهم البرازيلية. وجاء هذا التصعيد في ظل إجراءات عزل الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو والتهديد بفتح تحقيق تجاري ضد البرازيل.

في هذا السياق، رفض الرئيس البرازيلي الحالي لولا دا سيلفا هذه الضغوط، ووعد بردٍّ مماثل في إطار قانون المعاملة بالمثل. وأكد أن البرازيل لن تخضع لأي إملاءات.

على صعيدٍ منفصل، أشارت فيتش إلى إعلان الهند في 3 يوليو/تموز 2025 تعليق بعض التنازلات الممنوحة للولايات المتحدة بموجب اتفاقية الضمانات لمنظمة التجارة العالمية، في ظل استمرار الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية على سيارات الركاب الهندية. ويُعد هذا مؤشرًا على تصاعد المواجهة التجارية بين البلدين.

وفقًا لوكالة فيتش، دخلت الصين والاتحاد الأوروبي أيضًا في دوامة من القيود والإجراءات الانتقامية. على سبيل المثال، فرضت الصين رسومًا جمركية لمكافحة الإغراق بنسبة 32.2% على منتجات النبيذ والبراندي الأوروبية، وقيّدت المشتريات العامة من المعدات الطبية الأوروبية ردًا على إجراءات أوروبية مماثلة.

التأثير الاقتصادي للرسوم الجمركية وعدم اليقين السياسي:

أشارت مجلة الإيكونوميست في تقرير نُشر بتاريخ 9 يوليو 2025 إلى أن إعلان ترامب عن رسوم جمركية جديدة هزّ الأسواق المالية مؤقتًا قبل نحو ثلاثة أشهر. إلا أن ردود الفعل اللاحقة كانت خافتة، كما اتضح في 7 يوليو 2025، عندما هدد الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية “متبادلة” على 14 دولة، تتراوح بين 25% على اليابان وكوريا الجنوبية، و50% على النحاس، و200% على الأدوية. إلا أن تأثير هذه الرسوم على الأسواق العالمية كان ضعيفًا.

وفقًا لمجلة الإيكونوميست، يثير هذا الرد الصامت تساؤلات عديدة. يعتقد البعض أن الرئيس الأمريكي متردد في تنفيذ تهديداته، بينما يرى آخرون أن التأثير الاقتصادي أقل كارثية مما كان متوقعًا. بينما افترضت مجموعة ثالثة أن ترامب سيتراجع بمجرد ظهور العواقب السلبية. ومع ذلك، تبدو هذه التفسيرات الثلاثة غير دقيقة عند مقارنة التصريحات بالتطبيق الفعلي لسياسة التعريفات الجمركية. فقد استمرت التعريفات الجمركية في الارتفاع، حيث بلغ متوسطها 10% حتى الآن، مقارنةً بـ 2.5% في العام الماضي. ومن المتوقع أن ترتفع إلى 17%. حتى الاتفاقيات الأمريكية الجديدة مع دول مثل بريطانيا العظمى وفيتنام تُبقي الحواجز الجمركية مرتفعة مقارنةً ببداية العام.

تشير البيانات إلى أن هذه الإجراءات تُلحق ضررًا ملموسًا بالاقتصاد الأمريكي. فالاستهلاك والمبيعات يتراجعان، ومن المتوقع أن ينخفض النمو الاقتصادي الأمريكي هذا العام إلى نصف مستواه في عام ٢٠٢٤. ورغم أن التضخم لا يزال مُحتَوًى نسبيًا، إلا أن مؤشرات مبكرة على ارتفاع الأسعار بدأت تظهر، حيث تُكاد مخزونات الواردات أن تُستنفد، ومن المُحتمل أن يتجاوز التضخم ٣٪.

وفقًا لمجلة الإيكونوميست، من المخاطرة بطبيعتها افتراض تراجع الرئيس الأمريكي قبل وقوع الضرر. إن عدم استجابة السوق لتهديداته يشجعه على الاستمرار. علاوة على ذلك، فإن الزيادة التدريجية في الرسوم الجمركية تُخفي بعض الآثار السلبية، وتُؤدي إلى تآكل بطيء في النمو الاقتصادي، على غرار ما شهدته المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

في حين أن ردود الفعل الانتقامية من الدول الأخرى كانت محدودة حتى الآن، فإن ميل ترامب لتحويل السياسة التجارية إلى مفاوضات ثنائية دائمة لا يخدم الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل. وهذا يدفع الشركات إلى التركيز على النفوذ السياسي للحصول على تنازلات بدلاً من تحسين الكفاءة أو الابتكار. وهذا، وفقًا لمجلة الإيكونوميست، يُشكل تهديدًا هيكليًا لأداء الاقتصاد الأمريكي.

في ظل هذه البيئة المضطربة، قد لا يتضح الأثر الحقيقي لهذه الرسوم إلا لاحقًا، لكن الضرر سيُشعر به بالتأكيد. ورغم أن التباطؤ التدريجي في النمو قد يكون أقل وضوحًا من الأزمات الحالية، إلا أنه لا يقل خطورة، وقد يُهدد في نهاية المطاف استقرار الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل.

تباطؤ نمو التجارة العالمية وسط تزايد المخاطر

ذكر البنك الدولي في تقرير له أن التجارة العالمية، التي شهدت انتعاشًا ملحوظًا في أوائل عام 2025، مدفوعةً بتدابير الشحن الوقائية قبل فرض الرسوم الجمركية، تشهد الآن انخفاضًا حادًا. ومن المتوقع أن ينخفض نمو التجارة من 3.4% في عام 2024 إلى 1.8% في عام 2025، أي أقل من نصف متوسط العقدين اللذين سبقا جائحة كوفيد-19.

وأشار البنك الدولي إلى الزيادة الحادة في الرسوم الجمركية والإجراءات الانتقامية، وانقطاعات سلسلة التوريد، وتزايد حالة عدم اليقين السياسي باعتبارها الأسباب الرئيسية للتباطؤ.

تماشيًا مع تقديرات وتوقعات البنك الدولي، أفاد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن التجارة العالمية شهدت نموًا معتدلًا في الربع الأول من عام 2025. وأظهرت بيانات التجارة العالمية للربع الأول من عام 2025 نموًا بنسبة 1.5% على أساس ربع سنوي و3.5% على أساس سنوي. وشهدت تجارة الخدمات نموًا سنويًا يقارب 9%، مما يعكس حيوية هذا القطاع.

وتظل توقعات الأونكتاد الحالية للربع الثاني من عام 2025 إيجابية، حيث تشير إلى نمو ربع سنوي بنحو 2% لكل من السلع والخدمات، مما يعزز التوقعات الإيجابية للنصف الأول من عام 2025.

مع ذلك، يعتمد استدامة نمو التجارة في النصف الثاني من العام على وضوح السياسات العالمية، والتطورات الجيوسياسية، وقدرة سلاسل التوريد على التكيف. ومن المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي، مما قد يؤثر سلبًا على التجارة. وتشير مؤشرات، مثل انخفاض مؤشر مديري المشتريات الصيني (PMI)، إلى احتمال تراجع النشاط الصناعي.

وفي المقابل، يوفر التكامل الإقليمي بعض الدعم، حتى برغم أن مؤشرات الشحن لا تزال أقل من المتوسط لعام 2024.

وفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، هناك مخاطر مستقبلية قد تعيق نمو التجارة العالمية. وتشمل هذه المخاطر، على وجه الخصوص، استمرار حالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية الأمريكية، وتزايد السياسات الصناعية الحمائية، مما قد يؤدي إلى صراعات تجارية كبرى، خاصة إذا اتخذت دول أخرى إجراءات مضادة.

باختصار، تُظهر نتائج المؤسسات الدولية أن التجارة العالمية تمر بمنعطف حاسم. ففي حين يسعى البعض إلى الحفاظ على قواعد النظام التجاري متعدد الأطراف، تتزايد الأحادية والاتفاقيات الثنائية القائمة على الضغط.

يبدو أن التجارة الدولية معرضة للخطر على المدى الطويل بسبب فقدان الشفافية والاتساق. وفي ضوء هذه التطورات، لن يؤدي ارتفاع الرسوم الجمركية والحمائية إلى تباطؤ اقتصادي فحسب، بل قد يُحدث أيضًا تغييرًا جذريًا في مشهد التجارة العالمية، مما يخلق واقعًا جديدًا يتطلب إعادة هيكلة التحالفات وقواعد اللعبة الدولية.


شارك