جبالي: لا يمكن الهروب من مسؤوليتنا تجاه المواطن: لا بديل آمن لمن يفتقر للمأوى أو يسلب منزله!

منذ 9 ساعات
جبالي: لا يمكن الهروب من مسؤوليتنا تجاه المواطن: لا بديل آمن لمن يفتقر للمأوى أو يسلب منزله!

أكد المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، على أهمية مشروع القانون المقدم اليوم، ليس فقط لأنه يمس شريحة كبيرة من مواطني الدولة، سواء ملاك أو مستأجرين، ولكن لأننا أمام تحد جديد سبق أن واجهه هذا المجلس بعزيمة وثبات وحكمة، بشهادة الجميع.

جاء ذلك خلال الجلسة العامة لمجلس النواب اليوم، التي ناقشت مشروعي قانونين بشأن الإيجارات القديمة تقدمت بهما الحكومة.

وأضاف الجبالي: “نشهد اليوم فصلاً جديداً في تاريخ هذا المجلس، الذي يواجه أزمةً لم تكن المجالس السابقة، رغم نقاط قوتها وضعفها، مستعدةً لمواجهتها نظراً للصعوبات الهائلة التي واجهتها. لم تكن هذه الأزمة من نصيبنا، بل نجمت عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الاستثنائية التي مرت بها البلاد في فترة تاريخية محددة، مما اضطر السلطتين التنفيذية والتشريعية للدولة آنذاك إلى…

وتابع: “وإعلاءً للمصلحة العامة، تم التجاوز على جميع المبادئ المقررة في الدساتير والقوانين المتعاقبة، كمنع المساس بالملكية الخاصة، ومبدأ السلطة المطلقة في إبرام العقود، وكون عقود الإيجار بطبيعتها عقود رضائية محددة المدة. وتدخلت الدولة في العلاقة التعاقدية، فجعلتها، خلافًا لطبيعتها، غير محددة المدة، وميراثًا لغير المالك، من المستأجر الأصلي إلى زوجته وأولاده وأقاربه بالدم والصهر حتى الدرجة الثالثة، فيما يُعرف بالامتداد القانوني. كل هذا لإعلاء مبادئ أخرى تقتضيها ظروف الحال، وفي مقدمتها التكافل الاجتماعي. وقد استندت أحكام المحاكم آنذاك إلى هذه الظروف والحيثيات، مؤكدةً أن عدم تدخل المشرع آنذاك كان سيؤدي إلى تهجير آلاف الأسر، وتفتيت النسيج الاجتماعي، وإثارة الكراهية والعداء بين فئات الشعب”. وكان من شأن هذا أن يقوض مبدأ التضامن الاجتماعي، الأمر الذي كان يتطلب تدخلاً تشريعياً لحماية أمن المجتمع.

وتابع: ومع تطور هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لاحظنا أن المحكمة الدستورية العليا قد طورت أحكامها ومبادئها في أحكامها المتتالية من عام ١٩٩٥ إلى عام ٢٠٠٢، متدخلةً للحد من هذا التوسع التشريعي تدريجيًا حتى اقتصر على الجيل الأول فقط. ونلاحظ أن المحكمة الدستورية العليا دأبت في جميع أحكامها على التأكيد على أن قوانين الإيجار القديمة استثناءات، ويجب اعتبارها دائمًا تشريعات ذات طبيعة مؤقتة مهما طال أمد نفاذها، وأنها لا تمثل حلاً دائمًا ونهائيًا للمشاكل الناجمة عن هذه الأزمة، بل يجب مراجعتها دائمًا لتحقيق التوازن بين مصالح أطراف الإيجار، بحيث لا يميل توازنها إلى اتجاه يتعارض مع طبيعتها، إلا إذا كانت الظروف التي اقتضت وجودها هي السبب.

وقال جبالي: “لو أن مجلس الشعب مارس سلطته آنذاك وتدخل لتقصير هذا التمديد قبل أن تصدر المحكمة الدستورية العليا أحكامها، لوجدنا بطبيعة الحال، كما نرى اليوم، بعض الخبراء القانونيين الذين قالوا لنا إن هذا تدخل غير دستوري (أي أنه دستوري من وجهة نظر المحكمة الدستورية العليا، ولكنه غير دستوري من وجهة نظر السلطة التشريعية، السلطة الأصلية)”.

وأضاف: ومع صدور حكم المحكمة الدستورية العليا الأخير في الدعوى رقم 24 للسنة القضائية العشرين بجلسة 11 سبتمبر 2024، ورغم أن موضوع النزاع يتعلق باستقرار القيمة الإيجارية، إلا أن المحكمة أكدت في حكمها طبيعة القوانين الاستثنائية في قانون الإيجارات وأنها قوانين مؤقتة مهما كانت مدتها، وأقرت صراحة بحق المشرع في التدخل وتنظيم (الامتداد القانوني لعقود الإيجار) وكذلك (تحديد القيمة الإيجارية)، معتبرة ذلك من خصائص جميع القوانين الاستثنائية التي يحق للمشرع مراجعتها في أي وقت، فلا يكون أي منهما حكماً مطلقاً دون قيد ولا استثناء من التنظيم التشريعي.

وأضاف: “وبالتالي أكون قد أوضحت تطور هذه القوانين الطارئة في ضوء الأحكام المتتالية للمحكمة الدستورية العليا”.

وفي الختام، خاطب الجبالي الحكومة، مؤكدًا أن تطبيق بنود هذا المشروع وضمان فاعليته على أرض الواقع في إعادة التوازن المنشود بين طرفي عقد الإيجار لا يقتصر على نصوصه وأحكامه، بل يعتمد بالدرجة الأولى على التزام الحكومة بتوفير مساكن بديلة للمستأجرين أو المستأجرين الممتدين المشمولين بأحكام هذا القانون، وخاصةً للفئات الأكثر ضعفًا. فلا يُعقل أن يُشرد مواطن أو يُطرد من منزله دون إيجاد بديل آمن ومناسب يحفظ كرامته الإنسانية ويضمن أمن المجتمع.


شارك