أول رد رسمي من دار الإفتاء حول دعوى المساواة المطلقة في الميراث

منذ 5 ساعات
أول رد رسمي من دار الإفتاء حول دعوى المساواة المطلقة في الميراث

تتابع دار الإفتاء المصرية عن كثب المناقشات الدائرة حول مطلب المساواة المطلقة في الميراث، سواء بشكل طوعي أو من خلال الاستفتاء. وبناء على مسؤوليته وواجبه نلاحظ ما يلي:

الحق في المساواة المطلقة في الميراث

إن التبرع الفردي لا ينشئ تشريعاً عاماً من شأنه إلغاء جواز التبرع الأصلي وجعله التزاماً قانونياً.

لا خلاف بين العلماء في جواز إعطاء الإنسان ماله أو ميراثه أو غير ذلك من الأموال لأخته أو لأي شخص آخر. كما أن للأخت حرية التبرع لأخيها بالمال ودعمه بالميراث أو غيره، فالتبرع صدقة جائز ومحمود في الشريعة الإسلامية. ولكن استخدام هذا الإباحة الفردية كذريعة لاقتراح تشريع عام ملزم من شأنه، بالإضافة إلى إلغاء الأحكام النهائية لقانون الميراث، أن يلغي أيضاً الإباحة الأصلية للهبات، هو خلط بغيض بين العمل الفردي والتشريع الملزم، ومغالطة لا تخفى على أي شخص عاقل وذكي.

ثانياً، الفرضيات المثيرة للجدل لا تؤدي إلى قرارات قانونية.

عندما يقال: إذا كان المجتمع قد اتفق على المساواة بين الرجل والمرأة في قانون الميراث، فلماذا لا يتم النص على ذلك في القانون؟ وهذا افتراض مختلق لا يغير الحقيقة إطلاقا. القوانين غير قابلة للتغيير ولا يمكن تغييرها عن طريق التصويت أو الإجماع الاجتماعي. وهذا صحيح بشكل خاص عندما يتجاهل أولئك الذين يطالبون به أو يدافعون عنه حقيقة أن هذا العلم يدعم، من بين أمور أخرى، علم الوراثة. وهذا يزيل صفة الالتزام والواجب في التوزيع ويحوله إلى مجرد حق. وينسون أن الله تعالى قال في الآيات الخاصة بالميراث: {فريضة من الله} [النساء: 11]، فأحكام الميراث ليست مجرد حق للمالك في الهبة؛ بل هو واجب والتزام وليس رأياً بشرياً قابلاً للرجوع عنه أو التغيير. وإلا فإن من يأكل ميراث أخته قد يستخدم منطق الشخص الذي اقترح الفكرة ويقول: “أليس من حقك أن تعطيه لي؟ لماذا لا آخذه؟” وليس هو فرضاً كالصلاة أو غيرها من الحجج الواهية. ولكن أي مجتمع يسمح بحرمان شخص من حقوقه المالية القانونية لمجرد المطالبة بمطالبات لا يملكها لا على نفسه ولا على الآخرين؟

ثالثا: مغالطة التشبيه بالتبرع

إن القياس بين التبرع (وهو جائز) وتعديل حقوق الميراث (وهو محرم) هو قياس منحرف، يشبه من يقترح توزيع ثروة الأغنياء قسراً على الفقراء لأنهم “يستطيعون التبرع بها!” لو كان هذا المنطق سليما لما كان هناك حق ثابت ولا مال محمي.

رابعا، إن القصد الحقيقي هو النيل من قدسية النص.

إن ما تقصده هذه المطالبات في الواقع ليس المساواة المزعومة؛ وبدلاً من ذلك، يتم تجريد النصوص النهائية من قدسيتها وتصبح مكانًا للنقاش والمناظرة، مما يمهد الطريق لتقييد قانون الأسرة.

خامساً: فوضى التفسيرات الخاطئة

إذا قبلنا هذا المنطق المتناقض فإن الباب مفتوح أمام كل تأويل باطل يقاس فيه “الصدقة” المشروعة بـ”تغيير الواجبات” غير المشروع، مما يمهد الطريق لهدم الضروريات الخمس باسم “الاجتهاد الجماعي”، بينما الحقيقة هي إلغاء الشريعة باسم الاجتهاد.

سادساً: هل تبقى الهبة حقاً حتى بعد أن تحولت إلى قانون؟

إذا تم ترسيخ المساواة في الميراث بالقانون، فلن يكون التبرع خيارًا بعد الآن. وإنما هو حق شرعي يمكن المطالبة به على الأخ إذا منع أخته مما لم توجبه الشريعة عليه. بهذه الطريقة يُسلب الإنسان ماله، ويُحمّل بأشياء لم يفرضها الله عليه. وهذا هو بالضبط تعريف الظلم.

سابعاً: علاوة على ذلك فإن مثل هذه الأطروحات التي تجلب غضب الله عليها لمخالفتها شريعته، والتي يدعو إليها الجميع، تشوه أيضاً صورة المجتمع الذي يقبل هذه الدعوات في عيون وعقول المسلمين في كل أنحاء العالم. كما أنها تفتح الباب الخلفي للجماعات التكفيرية لمهاجمة المجتمع وقوانينه وانتهاك مقدساته. هل نحتاج إلى مثل هذه الإدعاءات؟

ثامناً: الثوابت ليست انتخابية ولا تقتصر على العبادات أو أركان الإسلام. بل إن جميع اليقينيات الدينية ـ أي ما يدعمه النص الواضح في دلائله ودلالاته ـ هي واحدة في جميع أبواب الشريعة الإسلامية، وهي حقيقة لا تخفى على عامة الناس، بل وأكثر من ذلك على من يزعمون أنهم علماء.

إن المطالبة بالمساواة المطلقة في حقوق الميراث، والتي يتم السعي إليها تحت ستار الطوعية أو الاستفتاء، ليست أكثر من ستار دخاني مصمم لتقويض الشريعة الإسلامية، وحرمان نصها من قدسيته، وإخضاع الأمة لجاذبية مفاهيم دخيلة لم تؤد إلا إلى الفوضى والانهيار في مجتمعاتها. النص النهائي ليس مادة قابلة لإعادة التصميم؛ بل هو نور يهدينا وحدود لا يمكن تجاوزها. إن ثوابت الشريعة الإسلامية والتزاماتها الميراثية غير قابلة للتغيير، ومن واجب المسلمين حماية تطبيقها وتنفيذها، وليس تجاوزها أو استبدالها.

يعد هذا الادعاء رائدا. وبدلاً من استخدام التنظيمات القانونية لحماية الحقوق المشروعة وضمان حسن تطبيقها، يسعى الرأي المعارض إلى جعل التنظيمات القانونية انتهاكاً للحقوق المشروعة ووسيلة لحرمان الناس من حقوقهم وأموالهم. ويستند في رفضه إلى احتمال سقوط الحق بعد مرور الزمن. ويريد تشريعاً يغير طبيعة هذا الالتزام كلياً، وهو من أغرب الحجج والتحريفات القانونية باسم الإحسان!

النتيجة: الإسلام سوف يبقى، مهما كثرت دعوات التغيير ضده، ومهما أصبحت الشعارات ملونة. ومن واجب العلماء أن يدافعوا عن أصول دينهم، وأن يكشفوا زيف هذه الأطروحات.

 


شارك