عقوق الآباء والأبناء.. مفتي الجمهورية يوضح أسبابه وآثاره وسبل العلاج

دكتور. أكد سماحة الشيخ نذير عياد مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لهيئات ومؤسسات الإفتاء في العالم، أن العلاقة بين الوالدين وأبنائهم يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل والشعور بالمسؤولية والقيام بالحقوق والواجبات. وحذر من خطورة العصيان الذي يعد من كبائر الذنوب ويؤدي إلى تفكك الأسرة وانعدام المودة في المجتمع.
وأوضح في حواره اليومي في رمضان مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج «اسأل المفتي» المذاع على فضائية صدى البلد، أنه عند الحديث عن عقوق الأبناء لآبائهم لا يجب تجاهل عقوق بعض الآباء لأبنائهم. وأشار إلى أن هناك بعض السلوكيات التي تؤدي إلى الظلم تجاه الأطفال، مثل التمييز غير المبرر ضد الأطفال، أو حرمانهم من حقوقهم المشروعة كالميراث، أو إهمال تعليمهم وتوجيههم.
عادات وتقاليد سيئة
وأشار إلى أن العادات والتقاليد الخاطئة تلعب دوراً خطيراً في هدم الروابط الأسرية، حيث قد تؤدي إلى حرمان الفتاة من الميراث، أو تفضيلها على الأبناء دون سبب شرعي. وهذا يؤدي إلى القسوة والقسوة في النفس ويخلق أجواء غير مستقرة داخل الأسرة.
واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما امتنع عن الشهادة على تفضيل والد لأحد أبنائه بغير حق، وقال: (اذهبوا فأشهدوا على هذا غيري، فإني لا أشهد على جور)، وهو دليل واضح على نفي الشريعة للظلم والتمييز بغير حق داخل الأسرة.
وتحدث المفتي عن تأثير الثقافات الأجنبية والتيارات الفكرية الحديثة التي تتعارض مع القيم الإسلامية، مشيرا إلى أن بعض الأطفال يتأثرون بأفكار تتعارض مع تعاليم الدين الحنيف. وهذا يدفعهم إلى التمرد على المبادئ الشرعية وقطع الروابط العائلية.
وأكد أن الإسلام لا يبرر بأي حال من الأحوال القطيعة بين الأبناء ووالديهم، مستشهداً بقول الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه كرها بعد كد وفصاله ثلاثون شهرا أن اشكر لي ولوالديك}. {وإلي المصير} وأوضح أنه حتى لو قصر الوالدان في بعض الأحيان فإن واجبهما نحو والديهما لا يبطل.
وأشار المفتي إلى أن الشعور باللامبالاة أو الإهمال العاطفي من قبل الوالدين قد يكون أحد أسباب العقوق، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية التي قد تدفع بعض الآباء إلى التخلي عن دورهم التربوي، مثل الزواج من أخرى وإهمال الأبناء من الزوجة الأولى. ويؤدي هذا إلى شعور هؤلاء الأطفال بالحرمان العاطفي والنفسي.
وضرب مثلاً بما حدث في زمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما جاءه رجل يشكو عقوق ابنه، فأخبره الابن أن أباه أهمله منذ الصغر ولم يحسن تربيته ولم يختار له اسماً حسناً، فقال له عمر: جئتني تشكو عقوق ابنك، وأنت أول من عصاه! وهذا دليل واضح على أن مسؤولية الوالدين لا تقتصر على إنجاب الطفل، بل تشمل أيضاً التربية والتوجيه الصحيح وحتى اختيار الاسم الجيد.
التقليد الأعمى وآثاره
وتحدث المفتي عن ظاهرة التقليد الأعمى وآثارها السلبية على الأطفال، موضحاً أن كثيراً من الشباب والشابات ينساقون وراء الموضة والثقافات الأجنبية دون تفكير. وهذا يمكن أن يؤدي إلى صراع بين الأجيال داخل الأسرة، ويؤكد على ضرورة التمييز بين التقاليد الإيجابية التي تؤدي إلى التطور والتقاليد السلبية التي تدمر القيم والأخلاق.
وأكد المفتي أن بر الوالدين ليس مجرد عادة اجتماعية، بل هو عبادة وطاعة لله، مستشهداً بقول الله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}. {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وأن أثر بر الوالدين يمتد في الدنيا والآخرة، فيؤدي إلى البركة في الرزق وطول العمر والتوفيق في الدنيا، مستشهداً بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من سره أن ينسأ له في عمره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه».
الحفاظ على الروابط العائلية والتمسك بالقيم الاسلامية
ودعا مفتي الجمهورية الآباء والأبناء إلى الحفاظ على الروابط الأسرية والتمسك بالقيم الإسلامية السمحة التي تدعو إلى الرحمة والمودة والعدل داخل الأسرة، وحذر من خطورة التفكك الأسري وآثاره السلبية على المجتمع.
وفي نهاية الحلقة، قال د. أجاب نذير عياد على سلسلة من أسئلة المشاهدين حول مواضيع قانونية مختلفة. وأكد أن طلب الشفاعة من النبي -صلى الله عليه وسلم- جائز ومشروع. وأوضح أنه لا بأس بطلب المساعدة من النبي -صلى الله عليه وسلم- أو القيام بأي منصب أو عمل صالح لنيل رضى الله تعالى.
وأضاف أن من علامات محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ذكره بالقول والفعل والتوجه إلى الله من خلاله، مستشهداً بقول الله تعالى الذي قرن اسمه باسم الرسول صلى الله عليه وسلم. وأشار إلى أن هناك مدارس فقهية تتشدد في هذه المسألة خوفاً من الوقوع في الشرك. لكن الأمر مختلف. لأن الله تعالى حفظ هذه الأمة من الشرك.
وعن الدعاء للأولياء والصالحين أوضح المفتي أنه جائز عموماً ما دام القلب ينظر إليهم بالحب والتعظيم ويعتبرهم طريقاً إلى مرضاة الله من غير نفع أو ضرر لهم. وأشار إلى أن محاولة إجبار الناس على رأي معين في هذه القضية هو شكل من أشكال التطرف، حيث تنص القاعدة الشرعية على: «ما اختلف فيه لا ينكره، وما اتفق عليه لا ينكره». ولذلك فإن لكل إنسان الحق في أن يتبنى أي رأي شرعي يراه مناسباً، ما دام الدعاء في إطار المشروع الذي أقامه الله تعالى شرعاً.
ورداً على سؤال حول الفدية في رمضان، أوضح المفتي أن من يتحمل النفقة هو المسؤول عن دفع الفدية عمن يعولهم، مثل الأب عن أبنائه وزوجته. ويجب على كل من عليه التزام مالي مستقل أن يدفع الفدية بنفسه، وأكد أن الفدية لا يمكن مقارنتها بالكفارة في الأنظمة القانونية.
فلسفة الميراث في الإسلام
وفيما يتعلق بفلسفة الميراث في الإسلام، أكد المفتي أن توزيع الميراث في الشريعة الإسلامية يقوم على أساس العدل المطلق، مشيرا إلى أنه لا يوجد تمييز مطلق بين الرجل والمرأة في الإسلام. هناك حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل، وحالات أخرى ترث فيها أكثر من الرجل، وأحيانا ترث المرأة ولا يرث الرجل.
وأوضح أن الحالات التي يرث فيها الرجل أكثر من المرأة هي حالات محدودة تدخل في إطار فلسفة توزيع الميراث حسب السن والاعتبارات الاجتماعية، إذ يطلب من الرجل الإنفاق على الأسرة وتوفير المهر وتأثيث المنزل، بينما لا تلزم المرأة بذلك. ويحقق هذا التوازن بين الحقوق والواجبات.
وعن إهداء ثواب قراءة القرآن الكريم للأحياء، أوضح المفتي أن الأفضل أن يقرأ الإنسان القرآن بنفسه. ولكن أجاز بعض العلماء إهداء الثواب إلى غيره، وخاصة في حال الموت. واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من استطاع إلى أخيه معروفاً فليفعل».
وشدد المفتي على أن قراءة القرآن الكريم ينبغي أن تكون عادة دائمة للحفاظ على مكانته في القلب وفي البيت وفي العمل.
وفي نهاية الحلقة أكد المفتي على أهمية مراعاة الآداب في تلاوة القرآن الكريم والحفاظ على أهميته في حياة المسلمين. وأشار إلى أنه سيتناول هذه المواضيع بشكل أكثر تفصيلا في الحلقات المقبلة، وحث الله عز وجل على قبول الأعمال من الجميع.