رئيس جامعة الأزهر يبين سبب حذف حرف النفي في قول الله: «وعلى الذين يطيقونه»

سماحة الدكتور أكد الدكتور سلامة داوود رئيس جامعة الأزهر خلال درس التراويح اليوم الأحد بالجامع الأزهر، أن الشريعة الإسلامية قامت على التيسير. حتى قال علماؤنا: لا تخلو الشريعة من التيسير. وأشار إلى أن آيات الصيام تحتوي على ملامح بارزة من هذا اليسر الإلهي، حيث قال الله تعالى في منتصف آيات الصيام: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُيسِّرَ عَلَيْكُمْ وَلَا يُعَسِّرَ).
وأوضح سماحته أن من التيسير في تشريع الصيام أن الله تعالى فرضه في البداية على الأمة كلها، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). ثم استثنى أصحاب الأعذار العاجلة. مثل المريض والمسافر. وقد رخص لهم في الفطر، ولكن عليهم القضاء في آخر الشهر، كما قال تعالى: (ومن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) . وأباحه الله تعالى أيضًا لمن كان له عذر دائم؛ على سبيل المثال، عند كبار السن والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة. فأذن لهم في الإفطار مع الفدية، وقال: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين).
وأكد سماحته صحة النص القرآني في قوله تعالى: (وعلى الذين استطاعوا) ومن باب احترام الله لم يقل: لا تستطيع أن تصبر، وحتى لا يشعر الإنسان بالعجز المطلق. يريد الصيام ولكنه لا يستطيع التحمل، فسهل الله عليه الأمر بهذه الصيغة الرائعة. وهذه آداب قرآنية راقية تعلمنا كيفية مخاطبة الآخرين والتعامل بلطف مع كبار السن ومن لا يستطيع الصيام. نحن لا نقول لهم بشكل مباشر: “لا تستطيعون الصيام”، ولكننا نخفف العقوبة ونراعي مشاعرهم.
وأوضح سماحته أن من علامات الفرج أن الله تعالى وصف أيام الصيام بأنها (أيام معدودات)، واستخدام جمع (شحيحة) في كلمة (معدودات) يدل على قلة العدد، وذلك من فضل الله على هذه الأمة. وقد شرع الصيام نهاراً دون ليل، كما قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفْقُ إِلَى النِّسَاءِ} ثم قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. وبذلك يكون الأكل والشرب في الليل مباحاً، مما يخفف من صعوبة الإمساك الكامل عند الصيام ليلاً ونهاراً.
وأوضح سماحته أن القرآن الكريم شبه النهار بالخيط الأبيض والليل بالخيط الأسود. ليعلمنا أن حياتنا يجب أن تكون مبنية على اليقين وليس على الشك والتخمين، لأن الحياة المبنية على الشك هي حياة متزعزعة وغير مستقرة.
وذكر سماحته مثالاً آخر من أمثلة التراخي في التشريع الإسلامي، وهو تخفيف الصلاة. لقد فرض الله خمسين صلاة ثم خففها إلى خمس، ولكنها بقيت خمسين جزاءً وثواباً. وهكذا هو الحال في الحج. قال الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}. ثم يسَّر الأمر على من منع وعلى من لم يستطع، فقال: {فإن منعتم فهبوا هبة ميسرة}.
واختتم سماحته كلمته خلال درس التراويح بالجامع الأزهر في الليلة الثالثة من شهر رمضان المبارك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين متين فاوطؤوه فإنه من يقلع فلن يزعزع أرضاً ولن يترك ظهراً»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الدين يسر»، مؤكداً أن اليسر من سمات التشريع الإسلامي الأصيلة وأن الله تعالى أراد لهذه الأمة اليسر في جميع أمورها ولم يرد لها العسر والضيق.