مجلس الشيوخ: خطوة حاسمة نحو بناء الجمهورية الجديدة وتعزيز التجربة الديمقراطية في مصر

مع بدء انتخابات الإعادة لاختيار الحكومة الديمقراطية الجديدة الشهر المقبل، يكتسب مجلس الشيوخ أهمية متزايدة في الحياة البرلمانية وفي المسار الديمقراطي للجمهورية الجديدة. ويأتي هذا الدور مكملاً ومكملاً لحركة التنمية الشاملة التي شهدتها مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي أحدثت نقلة نوعية تاريخية لا لبس فيها في جميع مناحي الحكم.
بعد إلغاء الغرفة الثانية (مجلس الشورى) في دستور عام ٢٠١٤، والتجربة العملية للبرلمان ذي الغرفة الواحدة، أعادت التعديلات الدستورية لعام ٢٠١٩ العمل به تحت مسمى “مجلس الشيوخ” بصلاحيات وأدوار محددة. وقد أدركت الدولة أهمية الغرفة الثانية في دعم الحياة البرلمانية، وتحسين توازن العملية التشريعية، وصقل السياسات العامة من خلال مزيد من الدراسة والخبرة.
لا شك أن إنشاء مجلس الشيوخ مثّل نقطة تحول مهمة في بناء الجمهورية الجديدة وتعزيز الممارسة البرلمانية. خلال دورته التشريعية الأولى، كان مجلس الشيوخ شريكًا هامًا، مُثريًا للنقاش الوطني حول القضايا المصيرية، وداعمًا قويًا للدولة في صياغة قرارات مبنية على الحكمة والخبرة والرؤية الاستشرافية.
أولاً، ما هو مجلس الشيوخ؟
مجلس الشيوخ هو أحد غرفتي البرلمان المصري (الغرفة الثانية)، إلى جانب مجلس النواب. وهو مسؤول عن دراسة ومناقشة مشاريع القوانين، وخطط الحكومة العامة، وتدابير السياسات الاقتصادية والاجتماعية قبل إحالتها إلى مجلس النواب. وهذا يتيح فرصةً للتدقيق والمراجعة الدقيقة.
تتمثل فلسفة مجلس الشيوخ في توفير مساحة للحوار الهادئ والمعمق بين الخبراء والمهنيين من مختلف المجالات، وبالتالي ضمان إثراء الحياة السياسية والتشريعية بوجهات نظر أكثر تنوعًا وحيادية.
ثانياً: الدور الدستوري لمجلس الشيوخ وصلاحياته
تم تأسيس مجلس الشيوخ في التعديلات الدستورية لعام 2019 بإضافة فصل جديد للدستور مخصص لمجلس الشيوخ، يتراوح من المادة 248 إلى المادة 254.
وبموجب هذه المواد، يتولى مجلس الشيوخ دراسة واقتراح ما يراه ضرورياً لتعزيز أسس الديمقراطية، ودعم السلم الاجتماعي، والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق وتوسيع نطاق النظام الديمقراطي.
وتتمثل المهام الرئيسية للمجلس في: إبداء الرأي في مقترحات تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، وإبداء الرأي في مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وإبداء الرأي في معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات المتعلقة بحقوق السيادة، ودراسة جميع المسائل التي يعرضها عليه رئيس الجمهورية والتي تتصل بالسياسة العامة للدولة أو سياستها في الشؤون العربية أو الخارجية.
ثالثا: تشكيل المجلس وآلية عمله
وتنص المادة 250 من الدستور على أن يتألف مجلس الشيوخ من عدد محدد قانوناً لا يقل عن 180 عضواً، يتم انتخاب ثلثيهم، ويعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي.
وبموجب القانون الحالي، يتألف المجلس من 300 عضو، يتم انتخاب 200 منهم بنظام القائمة والتمثيل الفردي، في حين يعين رئيس الجمهورية 100 عضو من ذوي الخبرة والتجربة.
ويعمل المجلس من خلال لجان متخصصة، مثل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، ولجنة الشؤون الاقتصادية، ولجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام، ولجنة التعليم والبحث العلمي والاتصال، ولجنة العلاقات الخارجية.
رابعاً: أهمية مجلس الشيوخ في الحياة البرلمانية
يُكمّل مجلس الشيوخ العمل البرلماني، ويدعم السلطة التشريعية بدراسة ومراجعة مشاريع القوانين المهمة قبل إحالتها إلى مجلس النواب. ويُثري النقاش السياسي بخبراته وأعضائه من مختلف المجالات. ويُحسّن السياسات العامة من خلال آراء غير مُلزمة حول القضايا المهمة. علاوة على ذلك، يُعزز التوازن المؤسسي بوجود مجلسين تشريعيين، مما يُسهم في تعزيز آلية الرقابة ويضمن اتخاذ القرارات بعد دراسة مُعمّقة.
خامساً: أهم إنجازات مجلس الشيوخ في دورته التشريعية الأولى
تمكن مجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق من أداء مهامه على كافة المستويات (التشريعية والرقابية) على مدى خمس دورات (2020-2025) والقيام بالدور المنوط به في خدمة الوطن ومواطنيه وفقاً للدستور وأحكام لائحته الداخلية.
خلال هذه الفترة، عقد المجلس 186 جلسة عامة ودورة استثنائية واحدة، استغرقت إجمالاً 488 ساعة، وألقيت خلالها 6013 كلمة ومداخلة.
وفيما يتعلق بإجراء وتنفيذ الدراسات المتعلقة بالتشريع والرقابة، ناقش المجلس 40 مشروع قانون، و93 طلب مناقشة عامة، و919 مقترح قانون، و18 دراسة برلمانية، و9 دراسات حول أثر التشريع.
وفيما يتعلق باللجان المتخصصة فقد بلغ عدد اجتماعاتها خلال الدورة التشريعية 2947 اجتماعاً بإجمالي مدة 3925 ساعة، فيما بلغ عدد التقارير الصادرة عنها 1034 تقريراً، كما نفذت 24 زيارة ميدانية.
خلال الفترة التشريعية المذكورة أعلاه، عقدت اللجنة العامة بمجلس الشيوخ 16 اجتماعاً وأصدرت 24 تقريراً.
وفي إطار الدبلوماسية البرلمانية، التقى رئيس مجلس الشيوخ مع سبعة رؤساء دول، و35 رئيساً للبرلمان، وستة رؤساء وزراء، ونوابهم، ومن في حكمهم.
خلال الفترة التشريعية الأولى للمجلس، تم تنفيذ 8 زيارات خارجية، والمشاركة في 79 مؤتمراً وفعالية دولية، و14 اجتماعاً للجنة الصداقة، واجتماعات مع 56 شخصية بارزة و47 سفيراً.
وكان أداء المجلس خلال الفترة التشريعية لافتاً، خاصة فيما يتعلق بمناقشة عدد من مشاريع القوانين الهامة، منها: تعديلات قانون البحار، وقانون قواعد التصرف في أملاك الدولة الخاصة، وتعديلات بعض أحكام قانون البناء، ومشروع قانون تنظيم المسؤولية الطبية وسلامة المرضى.
كانت المناقشات العامة مثمرة للغاية، إذ ساهمت في دعم الاقتصاد الوطني، ومكافحة التطرف الديني، وتعزيز التعليم والصحة والإسكان والثقافة والعدالة الاجتماعية، وغيرها من القضايا الوطنية والمجتمعية المهمة. كما تضمنت رؤىً تقدمية للتشريعات والسياسات العامة التي تدعم جهود التنمية والإصلاح الحكومي.
باختصار، يُمثل مجلس الشيوخ، بعد عودته إلى البرلمان، بلا شك ركيزة أساسية في العملية الديمقراطية والتشريعية في مصر. فهو منصة حقيقية لحوار وطني متوازن، وأداة مهمة لتطوير سياسات أكثر فعالية.