“عمليات اقتحام ومداهمات واعتقالات تشتعل بسبب ‘فيديوهات إيران’!”

فتشت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلة صالح خريشات من قرية جيوس بمحافظة قلقيلية بالضفة الغربية. وقالت المواطنة الفلسطينية هيام خريشات لبوابة البلد: “وقعت المداهمة فجرًا. كانت زوجة أخي وابنتها وحيدتين في المنزل، في مواجهة قوات الاحتلال، فاضطروا لإخلاء المنزل”.
تصف هيام الحادثة على النحو التالي: “كان الجنود مزودين بأجهزة تقنية وإلكترونية لمهمة بدت شديدة الخصوصية. لم يوضحوا سبب اختيارهم لهذا المنزل أو مدة إقامتهم فيه. لاحقًا، عادت العائلة إلى المنزل فوجدوه مدمرًا بالكامل: الأبواب مكسورة، والحمام مدمر، والأدراج مفتوحة، والأرضية ملوثة”.
وأضافت لبوابة البلد: “كما تم مداهمة منزل عمي في البلدة ذاتها وتحويله إلى مركز تحقيق. ثم استدعت قوات الاحتلال شبانًا من البلدة للتحقيق، ثم انسحبت، دون أن نعرف حجم أو أسباب ما حدث”.
العنف في الميدان
منذ منتصف يونيو/حزيران، يشهد تصعيد إسرائيلي واسع النطاق في مناطق مختلفة من الضفة الغربية والقدس الشرقية. يجمع هذا التصعيد بين عنف قوات الاحتلال على الأرض واقتحامات المستوطنين المدججين بالسلاح للقرى والمناطق النائية. ويأتي هذا التصعيد في ظل انعدام شبه كامل للحماية الدولية للسكان الفلسطينيين، وتزايد المخاوف من أن الاحتلال يوفر غطاءً سياسيًا ضمنيًا لتوسيع سياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها.
تزعم السلطات الإسرائيلية أن هدفها هو “تعزيز الأمن في الضفة الغربية بهدف تحييد التهديدات المحتملة من أفراد أو جماعات يُشتبه في تورطهم في التخطيط لهجمات أو تنفيذها ضد أهداف إسرائيلية”. إلا أن ما يدحض هذه الرواية الإسرائيلية هو عدم وجود أي صلة لعائلة خريشات بهذه الأنشطة. وهذا يتناقض مع تصريحات المخابرات الإسرائيلية، التي تزعم أن المنازل التي تعرضت للهجوم كانت مرتبطة “بأنشطة مشبوهة أو تخزين مواد يمكن استخدامها في أعمال عنف”.
يُظهر استخدام قوات الاحتلال لأحدث المعدات التقنية والإلكترونية نهجًا جديدًا في العمليات الأمنية. تشمل هذه الأجهزة أجهزة كشف المتفجرات، وأجهزة تنصت، وأنظمة مراقبة لجمع المعلومات الاستخبارية آنيًا. ويتماشى التكتم الذي يحيط بتفاصيل العملية مع السرية العسكرية لمنع وصول المعلومات إلى السكان الفلسطينيين. ويؤكد الضرر الذي لحق بالمنازل أن قوات الاحتلال تُجري عمليات تفتيش سريعة تتطلب تحقيقًا دقيقًا.
إرهاب الناس
قال رئيس بلدية جيوس، يوسف خالد، لبوابة البلد: “تتكرر المداهمات الليلية، وتتضمن اعتداءات إرهابية على السكان، وتخريبًا متعمدًا للممتلكات، وخاصة الأثاث”. وأشار إلى أن “قوات الاحتلال تحوّل عشرة منازل إلى مراكز أمنية عسكرية في بعض العمليات الأمنية”.
وهذا ما حدث لعائلات صالح خريشة، وعبد الرحيم قدور، ومحمد عزت، وحسام خريشة، وعبد النور شماسنة، وعبد الإله شماسنة، ومحمد عبد الرؤوف، وغيرهم. وأشار إلى أن “الاعتقالات ازدادت بسبب قيام الفلسطينيين بتوثيق القصف الإيراني ضد إسرائيل في مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وأشار رئيس البلدية: “في السابق، كانت قوات الاحتلال تتواصل فيما بينها قبل أي عمليات، أما الآن، فتصبح الهجمات مفاجئة ومصحوبة بتهديدات مباشرة. هددني ضابط في الجيش الإسرائيلي قائلاً: لن نطلق النار على رجل أو يد. لدينا أوامر بقتل كل من يحاول معارضتنا فورًا”.
وأكد رئيس البلدية: “هذا التغيير في التكتيكات يعكس تصعيدًا مقلقًا لسياسة العقاب الجماعي، ويؤكد غياب أي محاولة للتنسيق مع الجانب الفلسطيني، رغم وجود ضابط ارتباط مدني يُفترض أن يلعب دور الوسيط في مواجهة تمركز قوات الاحتلال على الأرض. لم تقتصر المداهمات على بلدة جيوس، بل شملت بلدات أخرى كعزون في قلقيلية وغيرها، حيث استخدمت قوات الاحتلال نفس الأساليب التخريبية في الاعتقالات والتحقيقات الميدانية”.
أفكار متكررة
تُظهر الاعتداءات اليومية المتكررة أن اقتحامات الجيش الإسرائيلي الممنهجة للقرى والبلدات الفلسطينية تتم تحت ذرائع أمنية مختلفة، منها “التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي” و”التشجيع على الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل”. وهي اتهامات فضفاضة تُوجّه للمواطنين الفلسطينيين، وتُقيّد حريتهم الشخصية، حتى في ممارسة حرية التعبير.
وقد وثّق مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) ومنظمة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان هذه الممارسات الإجرامية. أما الأسلوب الثاني، فيتمثل في هجمات جماعية غير منضبطة يشنها المستوطنون، تحت حماية الجيش أو بتواطؤ ضمني من الأجهزة الأمنية.
قرية كفر مالك
شهدت قرية كفر مالك، شمال شرق رام الله، هجومًا مفتوحًا شنته مجموعة كبيرة من مستوطني عوفرا وشيلو المجاورين. وأسفر الهجوم، الذي وصفه سكان القرية بـ”ليلة سوداء”، عن مقتل ثلاثة من سكان القرية، من بينهم شاب يبلغ من العمر 18 عامًا أصيب برصاصة حية في رأسه أثناء محاولته إنقاذ جريح.
وفقًا لشهود عيان جمعتهم منظمة العفو الدولية، استخدم المستوطنون أسلحة رشاشة وأدوات حادة، وأضرموا النار في مركبات زراعية ومنازل. ولم يتدخل الجيش الإسرائيلي لوقف الهجوم. بل شنّ الجيش في اليوم التالي مداهمة على القرية واعتقل ثمانية شبان. اتُهموا بنشر “فيديوهات تحريضية” تحتفي بالقصف الإيراني لقواعد إسرائيلية.
وأفادت مصادر في منطقة باب البلد بالضفة الغربية، أن قوات الاحتلال شنت هجمات عنيفة مستخدمة المدرعات وناقلات الجند والآليات العسكرية الثقيلة، وداهمت منازل وممتلكات خاصة في بلدات جلبون وعانين وجبع بمحافظة جنين، وزيتا وصيدا بمحافظة طولكرم، وجيوس وعزون بمحافظة قلقيلية، وعارورة شمال رام الله.
في إطار هذه الحملة، احتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي العديد من المنازل والمحال التجارية، وحولت بعضها إلى ثكنات عسكرية بعد طرد سكانها وإخضاعهم للتحقيق القسري. وتجاوز عدد المعتقلين على يد قوات الاحتلال العشرات، لا سيما من المراهقين والشباب.
سجناء الأطفال
أفاد نادي الأسير الفلسطيني أن أطفالاً أسرى ونشطاء يوثقون انتهاكات قوات الاحتلال بهواتفهم المحمولة. حتى أن قوات الاحتلال فتشت وصادرت هواتف وكاميرات خلال مداهمات في بلدة حزما شرقي القدس. كما فتشت قوات الأمن والجيش منازل صحفيين ومصوري فيديو هواة وصادرت معداتهم. واتهمهم، بحسب متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بـ”نشر محتوى يروج للعنف”.
في بلدات الرام وكفر عقب واللبن الشرقية وعلى أطراف نابلس، حُوِّلت منازل الفلسطينيين إلى قواعد عسكرية مؤقتة، وجُهِّزت بأحدث المعدات. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فقد عطَّلت العملية العسكرية الواسعة الحياة في أكثر من اثنتي عشرة منطقة سكنية، وقيَّدت حركة آلاف الفلسطينيين بين القدس ونابلس ورام الله.
شددت سلطات الاحتلال الحصار الاقتصادي والاجتماعي بإغلاقها العديد من القرى، لا سيما في شمال وشرق الضفة الغربية. ويُعدّ هذا إجراءً عقابيًا ضمنيًا ضدّ المناصب العامة والاحتفالات الشعبية، على خلفية الهجوم الإيراني الأخير. ورغم تلقي الشرطة الإسرائيلية عشرات الشكاوى بشأن اعتداءات المستوطنين، إلا أن معظمها أُسقط دون توجيه اتهامات.
حتى المستوطنين الخمسة الذين اعتُقلوا بعد مجزرة كفر مالك أُطلق سراحهم بعد أقل من 24 ساعة دون أي تحقيق جدي. وتوثّق تقارير حقوق الإنسان تواطؤ الجيش والشرطة في حماية المستوطنين. وتتزامن المداهمات والاعتقالات الأخيرة مع الجهود الإسرائيلية لتعزيز الردع الداخلي في أعقاب التطورات الإقليمية الأخيرة. وفي الوقت نفسه، تمنح هذه المداهمات والاعتقالات سلطات الأمن الإسرائيلية تفويضًا مطلقًا لتعقب الأفراد، بما في ذلك على منصات التواصل الاجتماعي، من خلال وحدة “السايبر” المسؤولة عن مراقبة المحتوى الفلسطيني.
حركة مقيدة
تشمل الإجراءات العقابية الإسرائيلية تقييد حرية حركة الفلسطينيين في مناطق معينة. منعت سلطات الاحتلال الوصول إلى القرى والبلدات التي احتفلت بالقصف الإيراني لإسرائيل. وفرضت حصارًا غير معلن على هذه المناطق، وفُتشت المركبات، واعتقلت الشباب، ومُنع العديد من العمال من الوصول إلى أماكن عملهم.
تشير منظمات حقوق الإنسان إلى أن الحصار المفروض يُشكل شكلاً من أشكال العقاب الجماعي المحرم دولياً، لا سيما أنه يطال آلاف المدنيين دون مبرر قانوني. ولم تكن الانتهاكات أفعالاً فردية أو عفوية، بل تبدو جزءاً من سياسة منظمة تهدف إلى بث الخوف وإرساء معادلة جديدة قائمة على الصمت والخضوع، حتى في ما يتعلق بالمشاعر الشخصية والتعبير عن الرأي.
وتؤكد شهادات محلية عديدة أن هذه حملة ردع انتقامية، تستخدم فيها الوسائل العسكرية والقانونية لقمع أي مظهر من مظاهر المشاركة الفلسطينية في الصراعات الإقليمية – بما في ذلك من خلال المنصات الرقمية.