المفتي: القرآن الكريم يقدم رؤية شاملة لبناء الإنسان وليس مجرد تزكية للنفس

منذ 10 ساعات
المفتي: القرآن الكريم يقدم رؤية شاملة لبناء الإنسان وليس مجرد تزكية للنفس

أكد مفتي الديار المصرية، الدكتور نذير عياد، أن القرآن الكريم لا يقتصر على تزكية النفس وتهذيب السلوك، بل يمثل منظومة متكاملة للتنمية الشاملة للفكر والوعي والمسؤولية الإنسانية، على أساس الاستقلال الفكري والسلوك المتوازن. وأوضح أن الله تعالى نهى عن التبعية والطاعة العمياء، وانتقد التقليد السائد الذي يُضعف العقل، كما قال تعالى: {ولقد وجدنا آباءنا على أمة واحدة}. وحث عباده على التفكر والتدبر قبل الإيمان والعمل، لا بعده.

جاء ذلك خلال زيارة سماحة مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لهيئات ومؤسسات الإفتاء في العالم، إلى جامع الجزائر الأعظم. وجاءت الزيارة ضمن مشاركته في مؤتمر “التعارف الإنساني وأثره في توثيق العلاقات وتحقيق التعايش”، الذي نظمه المجلس الإسلامي الأعلى بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. وأشاد سماحته بالروعة المعمارية والرمزية الثقافية لهذا الصرح الإسلامي العظيم، الذي يجسد رسالة الإسلام بجمعه بين الإيمان والحضارة، جاعلاً من الجامع منارة دينية وعلمية تجمع بين روعة العمارة وعظمة المكان وقدسيته.

قال مفتي الجمهورية إن اتباع الحق بعد معرفته شرطٌ لفهم الهداية، وأنه يجب استخدام العقل في التفكر والتأمل في عواقب الأقوال والأفعال، بعيدًا عن الانقياد أو التمرد على الآخرين. وقد رفع الله تعالى منزلة العقل وجعله أساسًا للإلزام، ولذلك وردت آياتٌ كثيرةٌ بصيغٍ مختلفة، كقوله تعالى: {أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}، {أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَلَمْ تَكُن لَهُمْ قُلُوبٌ يَتَفَكَّرُونَ}. وأشار إلى أن تكرار هذا الحضور العقلي في سياق الوحي يدل على أن الدين في جوهره وأساسه دعوةٌ إلى الفهم والتمييز، وإلى اتباع الحق بالهداية والبصيرة، لا بالتبعية والتقليد.

وأضاف أن مبدأ التوازن والاعتدال من أسس القرآن الكريم للتنمية البشرية، فهو يتضمن منهجًا شاملًا يُرسي أسس الاعتدال في الفكر، والاعتدال في السلوك، والتوازن في العلاقة بين مطالب النفس ومطالب الجسد، وبين حقوق الفرد وواجباته الاجتماعية، وذلك لإنتاج إنسان رشيد في مواقفه، متزن في مواقفه، عاقل في قراراته. وقد قدم رؤية دقيقة للاعتدال، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾.

وأشار سماحة المفتي إلى أن هذا المفهوم يتجاوز المعاني المكانية أو الكمية، ويعبر عن صفة منهجية قائمة على الموازنة بين الحاجات الإنسانية المتنوعة دون تجاوز أو طغيان. فالقرآن يهذب الغرائز دون كبحها، ويدعو إلى الرحمة دون المساس بالعدل، ويبني شخصية تميز بين الحزم واللين، وتعرف حدود القوة والرفق. ولذلك، يتجلى الاعتدال في الخطاب القرآني كأحد أركان البناء الإنساني السليم، إذ يُعد ضمانًا لسلامة الفكر، وصلاح السلوك، وتحقيق التوازن في المواقف، بعيدًا عن مظاهر التطرف التي تشوه الدين، أو الأنماط المنحرفة التي تفسد القيم. وهذا يجعل المنهج القرآني أساسًا شاملًا لإعداد إنسان معتدل يفهم الله، ويدرك حقيقته، ويسلك سبيل الهداية في القول والفعل.

رافق فضيلته خلال الزيارة سعادة السفير مختار جميل سفير مصر بالجزائر، وسماحة الأستاذ الدكتور مبروك زيد الخير رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، ولفيف من كبار المسؤولين والعلماء الجزائريين.


شارك