«تقرير جديد من “معلومات الوزراء”: تأثير التصعيد العسكري في الشرق الأوسط على الأسواق العالمية»

منذ 9 ساعات
«تقرير جديد من “معلومات الوزراء”: تأثير التصعيد العسكري في الشرق الأوسط على الأسواق العالمية»

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء تقريرًا يُسلّط الضوء على تأثير التصعيد المتبادل بين إسرائيل وإيران، بالإضافة إلى الغموض المحيط بنطاق هذا التصعيد وشدته ومدته، على الأسواق العالمية. وشدد التقرير على الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط على المستوى العالمي. تُمثّل هذه المنطقة محورًا استراتيجيًا يؤثر بشكل مباشر على استقرار الاقتصاد العالمي وأمنه السياسي، وتفخر بامتلاكها أكبر احتياطيات للنفط والغاز في العالم. وتُعدّ دول مثل المملكة العربية السعودية وإيران والعراق والإمارات العربية المتحدة والكويت من بين الدول الرئيسية المُنتجة والمصدرة للطاقة.

يمرّ ما يقارب ثلث نقل النفط البحري في العالم عبر مضيق هرمز وحده. تُعدّ قطر من أكبر موردي الغاز الطبيعي المسال في العالم، مما يجعل المنطقة موردًا رئيسيًا لتلبية احتياجات الطاقة العالمية. كما تضمّ المنطقة ثلاثة من أهمّ الممرات المائية الاستراتيجية في العالم: مضيق هرمز، الذي يربط الخليج العربي بالمحيط الهندي؛ ومضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي؛ وقناة السويس، التي تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط. تُعدّ هذه الممرات المائية شرايين حيوية للتجارة العالمية ونقل الطاقة، إذ تُوفّر طرقًا مهمة لنقل البضائع والنفط والغاز بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.

وسلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الضوء على التأثير المحتمل للتصعيد بين إسرائيل وإيران في ستة قطاعات: الطاقة، والسياحة والطيران، والتجارة العالمية، والذهب، والأسواق المالية، والقطاع المصرفي.

أولاً: قطاع الطاقة

كان للتصعيد بين إسرائيل وإيران تداعيات بالغة الخطورة على القطاع، سواءً على أسعار النفط والغاز أو على استقرار الإمدادات العالمية. ففي أعقاب الهجمات الإسرائيلية على المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية، ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة تصل إلى 13% لتتجاوز 75 دولارًا للبرميل، بينما ارتفعت أسعار النفط الخام الأمريكي بنسبة 8% لتصل إلى 74 دولارًا.

تُعزى هذه الزيادة الكبيرة إلى تصاعد التوترات والمخاوف من تصاعد المواجهة إلى صراع إقليمي أوسع، وليس إلى أضرار فعلية في البنية التحتية النفطية. ورغم عدم تسجيل أي خسائر مباشرة في الإمدادات، تتوقع الأسواق خسارة محتملة قدرها 1.7 مليون برميل يوميًا في صادرات النفط الإيرانية، وهي نسبة كبيرة منها ذات صلة بالسوق. وتشير التقديرات إلى أن خسارة جزئية تُقدر بنحو 600 ألف برميل يوميًا بسبب تشديد العقوبات قد تؤدي إلى زيادة محدودة في الأسعار تتراوح بين 5 و10 دولارات للبرميل.

قد ترتفع الأسعار تدريجيًا إلى 90 دولارًا أمريكيًا، وربما تتجاوز 120 دولارًا أمريكيًا في حال تعرض منشآت النفط الإيرانية أو موانئ التصدير الرئيسية لهجمات أو تعطيلات، وفقًا لتقديرات جي بي مورغان. يُمثل مضيق هرمز نقطة محورية رئيسية في السوق، حيث يُنقل عبره 30% من صادرات النفط العالمية و20% من الغاز الطبيعي المسال.

تتزايد المخاوف من احتمال إغلاق مضيق هرمز في حال تصاعد الصراع. ورغم صعوباته العملية، يُعتبر هذا السيناريو بالغ الخطورة. إذ تُظهر التجربة أن مجرد التهديد بإغلاق المضيق كافٍ لإحداث اضطراب واسع النطاق في السوق وارتفاع كبير في الأسعار.

إن تفاقم الأزمة أو تحولها إلى مواجهة إقليمية مفتوحة من شأنه أن يزيد من المخاطر على ناقلات النفط في مضيق هرمز وباب المندب، مما قد يؤدي إلى زيادة تكاليف النقل والتأمين، وتعطيل تدفقات التجارة. وفي حال تفاقم الأزمة وتوسع نطاق تأثيرها الجغرافي، فقد ترتفع أسعار النفط إلى ما بين 100 و150 دولارًا للبرميل، لا سيما في حال حدوث اضطرابات في الشحن أو هجمات على منشآت إنتاج رئيسية.

من الواضح إذن أن قطاع الطاقة العالمي من بين القطاعات الأكثر عرضة للاضطرابات الناجمة عن تصعيد الصراع الإسرائيلي الإيراني، سواءً من خلال التأثيرات على الإمدادات أو من خلال تداعيات السوق وردود الفعل الجيوسياسية ذات الصلة. لذا، فإن استقرار أسواق الطاقة العالمية في المستقبل يعتمد على مسار التصعيد في المنطقة.

ثانياً: قطاع السياحة والطيران

كان الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على إيران ضربة مزدوجة لقطاع الطيران العالمي: إذ أدت المخاوف الأمنية إلى اضطرابات فورية في مسارات الرحلات الجوية، تزامنت مع ارتفاع سريع في أسعار الوقود. واضطرت شركات الطيران الآن إلى تغيير مساراتها لتجنب المجال الجوي الخطير فوق إيران والعراق ودول الخليج، مما أدى إلى إطالة أوقات الرحلات وارتفاع تكاليف التشغيل. وتمثل هذه الأزمة اختبارًا جديدًا لشركات الطيران التي لم تتعاف بعد تمامًا من آثار جائحة كوفيد-19.

في الواقع، اضطرت العديد من شركات الطيران، بما في ذلك الخطوط الجوية السنغافورية والخطوط الجوية التركية، إلى تحويل رحلاتها أو تعليقها مؤقتًا، لا سيما من وإلى أوروبا. وقد أدت هذه التحويلات إلى رحلات أطول، ورحلات أكثر استهلاكًا للوقود، وتكاليف إضافية للأجور ورسوم التحليق. وامتد إغلاق المجال الجوي من إيران إلى العراق وسوريا، مما أدى إلى تعطيل الحركة الجوية في أحد أكثر الممرات الجوية ازدحامًا في العالم.

علاوةً على ذلك، يؤثر الارتفاع المفاجئ في أسعار النفط بشكل مباشر على ميزانيات شركات الطيران. وتتوقع شركات الاستشارات ارتفاع أسعار تذاكر الطيران على بعض الرحلات الطويلة بنسبة تتراوح بين 7% و15% إذا ظلت أسعار النفط مرتفعة واستمرت عمليات تحويل الرحلات. ووفقًا للشركات، فإن هذا الضغط يُصعّب الحفاظ على هوامش ربح مستقرة دون إجبار المستهلكين على دفع أسعار أعلى.

تأتي هذه التحديات في وقتٍ لا تزال فيه شركات الطيران تحاول التعافي ماليًا في ظل ارتفاع تكاليف الصيانة، ورواتب الطواقم، وأقساط التأمين. كما تُعرب الشركات عن مخاوفها من العودة إلى سيناريوهات عام 2019، حين أدت التوترات الإقليمية إلى تحويل مسارات الرحلات الجوية عشرات الآلاف من الكيلومترات سنويًا، مما فرض عبئًا بيئيًا واقتصاديًا كبيرًا. وتشير بعض التقارير إلى أن شركات الطيران قد تُجبر على تقليل عدد الرحلات أو تعديل جداولها لتعكس الوضع الأمني الجديد.

من ناحية أخرى، استفادت بعض الدول، مثل مصر والمملكة العربية السعودية، من تحول الحركة الجوية إلى مجالها الجوي الآمن، مما أدى إلى زيادة إيرادات رسوم التحليق وزيادة الطلب على ممرات جوية بديلة. ومع ذلك، فإن هذه الفوائد تُقابلها تحديات تشغيلية، مثل الضغط على أنظمة مراقبة الحركة الجوية والحاجة إلى تحسين كفاءة البنية التحتية، خاصة في حال استمرار الأزمة. بشكل عام، تسبب التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران في اضطراب كبير في المجال الجوي الإقليمي. أغلقت إسرائيل مطار بن غوريون في تل أبيب بالكامل كإجراء احترازي ضد الهجمات الإيرانية، بينما علّقت إيران جميع الرحلات المدنية وأغلقت مجالها الجوي جزئيًا.

أغلقت العراق مطاراتها مؤقتًا وعلقت رحلاتها الجوية. ويمتد هذا التأثير إلى شركات الطيران العالمية، التي اضطرت إلى إلغاء رحلاتها أو إعادة توجيهها. فقد ألغت الاتحاد للطيران رحلاتها من وإلى تل أبيب، بينما حوّلت شركات طيران أخرى، مثل طيران الإمارات ولوفتهانزا والخطوط الجوية الهندية، مساراتها إلى وجهات بديلة مثل إسطنبول والشارقة، مما زاد الضغط على مسارات الطيران البديلة ورفع إجمالي تكاليف التشغيل. ومن المتوقع أن تؤثر الآثار طويلة المدى للصراع الإسرائيلي الإيراني على قطاع السياحة العالمي لأشهر عديدة قادمة. ومن المتوقع أن تؤدي اضطرابات الحركة الجوية إلى ارتفاع أسعار تذاكر الطيران، مما قد يثني السياح الدوليين عن زيارة المناطق التي تعتمد على الرحلات الجوية منخفضة التكلفة. بالإضافة إلى ذلك، سيجبر تشديد القيود على المجال الجوي شركات الطيران على تغيير مسارات رحلاتها إلى مسارات أطول وأكثر تكلفة، مما يزيد من تكاليف التشغيل التي ستنتقل في النهاية إلى المستهلكين. وقد تتأثر السياحة إلى وجهات مثل إسرائيل وإيران والشرق الأوسط عمومًا بالمخاوف الأمنية وارتفاع التكاليف. ومع تصاعد الصراع، قد يؤجل المسافرون أو يعيدون النظر في خطط سفرهم إلى هذه المناطق، مما يؤدي إلى انخفاض الحجوزات لدى شركات الطيران ومقدمي الخدمات السياحية.

بالإضافة إلى ذلك، قد تشهد الوجهات القريبة من مناطق الصراع، مثل تركيا واليونان، انخفاضًا في أعداد زوارها بسبب المخاوف المتعلقة بسلامة الطيران وعدم الاستقرار الإقليمي، مما يؤثر على قرارات السياح. من ناحية أخرى، قد يزداد الطلب في وجهات أخرى مع تغيير المسافرين لخطط سفرهم وتجنبهم زيارة الشرق الأوسط.

لقد تسبب الهجوم الصاروخي بين إسرائيل وإيران في حدوث اضطراب كبير في السفر الجوي العالمي، ليس فقط لشركات الطيران في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا في أوروبا وآسيا ومناطق أخرى. وقد بدأ المسافرون وشركات الطيران يشعرون بالفعل بتأثير إغلاق المجال الجوي وتحويلات الرحلات وارتفاع التكاليف. ومع استمرار تطور الوضع، يجب على قطاع السفر العالمي الحفاظ على قدرته على التكيف مع البيئة المتغيرة ويواجه تحديات تشغيلية متزايدة وارتفاع التكاليف والتأخيرات المحتملة. ومع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، يجب على المسافرين مراقبة التطورات والاستعداد لتعديل خططهم حسب الضرورة. وفي حين أن التأثير طويل المدى على قطاع السياحة لا يزال غير مؤكد، فمن الواضح أن التصعيد بين إسرائيل وإيران سيستمر في تشكيل مستقبل السفر الجوي العالمي، سواء من الناحية الاقتصادية أو من حيث سلوك المسافرين الدوليين.

ثالثا: التجارة العالمية

مع تصاعد التوترات، تتزايد المخاوف عالميًا بشأن استقرار التجارة الدولية، لا سيما فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية والنقل البحري، وتكاليف النقل، وتدفق البضائع. تؤدي هذه الظروف إلى اضطرابات محتملة قد تؤثر سلبًا على سلاسل التوريد العالمية، لا سيما في قطاعي الطاقة والشحن. ومن أخطر الآثار المحتملة للصراع الإيراني الإسرائيلي خطر تعطل النقل البحري، الذي يمثل ما بين 80% و85% من التجارة العالمية.

في ظل هذا التصعيد، تُراقب شركات التأمين الوضع في مضيق هرمز وخليج عدن عن كثب. ورفعت قيادة القوات البحرية المشتركة مستوى التأهب إلى “شديد”، بينما حثت السلطات البريطانية واليونانية السفن على تسجيل تحركاتها وتجنب المناطق عالية الخطورة.

وفقًا لبلومبرغ، يُعد مضيق هرمز ممرًا حيويًا لتجارة النفط العالمية. في عام 2024، نقلت ناقلات النفط من دول الخليج حوالي 16.5 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات عبره يوميًا. كما يُعد مضيق هرمز طريقًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المسال، إذ يمر عبره أكثر من خُمس الإمدادات العالمية، ومعظمها قادم من قطر. تُبرز هذه الأرقام هشاشة التجارة في ظل التوترات الأمنية. حتى في غياب الإغلاق الكامل للمضيق، قد يكون حادث واحد – مثل انفجار لغم أو هجوم بطائرة مُسيّرة – كافيًا لدفع شركات التأمين إلى تصنيف المضيق كمنطقة عالية المخاطر، مما قد يُؤدي إلى تحويل مسار ناقلات النفط إلى مسارات أطول وأكثر تكلفة.

على الرغم من استمرار نشاط الشحن، فإن أي تصعيد طفيف قد يدفع شركات التأمين إلى إعادة النظر في تغطيتها للسفن والبضائع، أو حتى تعليق التأمين على بعض الرحلات المتجهة إلى الخليج. تشير التقديرات إلى أن أقساط تأمين مخاطر الحرب، التي كانت منخفضة سابقًا، قد تتجاوز 0.5% من قيمة السفينة لكل رحلة. بالنسبة لناقلات النفط العملاقة (VLCCs)، قد تصل تكلفة الرحلة الواحدة إلى مئات الآلاف من الدولارات. ونظرًا لاضطرابات الشحن والخدمات اللوجستية البحرية، بدأت شركات التأمين بالفعل في رفع أقساط التأمين للسفن العابرة للخليج، ويضغط المستأجرون لإدراج بنود تصعيد في عقود السفن.

في مواجهة هذا التهديد، يفكر مشغلو السفن في تغيير مساراتهم، وهو خيار مكلف يزيد من وقت السفر واستهلاك الوقود. على سبيل المثال، يضيف الإبحار حول رأس الرجاء الصالح ما يقرب من 6000 ميل بحري إلى الرحلة ويستغرق ما يصل إلى 14 يومًا أطول، مما يزيد من تكاليف الوقود والطاقم وخطر الازدحام في الموانئ والطرق البديلة. ووفقًا لتقرير صادر عن S&P Global Commodity Insights، فإن تصعيد الصراع في المنطقة قد يؤدي إلى زيادة أخرى في أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب. وبينما ظلت الرسوم الإضافية في منطقة الخليج مستقرة عند 0.05 إلى 0.07 في المائة من قيمة السفينة أسبوعيًا على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، فإن تصنيف المنطقة كمنطقة عالية المخاطر يجبر المستوردين في شمال آسيا على دفع ما يصل إلى 50 ألف دولار أمريكي إضافية لكل رحلة. ويتم تمرير هذه التكاليف في النهاية إلى المستأجرين.

رابعا: الذهب

ارتفعت أسعار الذهب العالمية بشكل ملحوظ منذ بدء الضربات العسكرية الإسرائيلية على إيران وتبادل الضربات المستمر بين الجانبين. وقد دفع التصعيد السريع للصراع المستثمرين إلى اللجوء إلى الذهب كملاذ آمن، مع تزايد المخاوف من تصعيد الصراع وعواقبه الاقتصادية.

في يوم الهجوم (13 يونيو 2025)، ارتفع سعر أونصة الذهب بنسبة 1.3% ليصل إلى 3,435.35 دولارًا أمريكيًا (مقارنةً بـ 3,391.4 دولارًا أمريكيًا في 12 يونيو)، متجاوزًا أعلى مستوى له منذ بداية العام عند 3,433.55 دولارًا أمريكيًا للأونصة في 22 أبريل 2025. وذكرت منصة FXEmpire أن تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران دفع المتداولين إلى زيادة الطلب على الذهب، مما دفع السعر الفوري إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 3,500.20 دولارًا أمريكيًا. بالإضافة إلى ذلك، عززت بيانات التضخم الأمريكية – التي أظهرت ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 0.1% فقط في مايو، وهو أقل من المتوقع – التوقعات باستئناف مجلس الاحتياطي الفيدرالي تخفيضات أسعار الفائدة في سبتمبر 2025، وهو ما عزز، إلى جانب الارتفاع الطفيف في قيمة الدولار الأمريكي، سعر الذهب. وأشارت منصة iSaagha، بدورها، إلى أن الذهب والفضة أكدا مكانتهما كأدوات مهمة لقياس اتجاهات المستثمرين العالميين وسط موجة من التقلبات الجيوسياسية والمالية.

أشارت FXStreet إلى أن تجاوز سعر الذهب لمستوى 3500 دولار أمريكي سيُتيح موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، مع تفاعل الأسواق مع التطورات في الشرق الأوسط، والسياسة التجارية للإدارة الأمريكية، والخفض المتوقع لأسعار الفائدة من قِبَل الاحتياطي الفيدرالي. وذكرت بلومبرغ أن تزايد خطر التهديدات الانتقامية الإيرانية، بما في ذلك هجوم محتمل على قواعد أمريكية، يُفاقم حالة عدم اليقين ويدفع المستثمرين إلى زيادة الطلب على الذهب. وصرح تشارو تشانانا، الخبير الاستراتيجي في ساكسو كابيتال ماركتس، بأن الذهب لا يُنظر إليه فقط على أنه تحوط ضد تصاعد الصراعات، بل أيضًا كأداة ضد التضخم المحتمل على المدى القصير. وتُظهر هذه المؤشرات أنه في ظل الأزمات الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي، لا يزال الذهب يحافظ على مكانته كأحد أهم الأصول الدفاعية في مواجهة التقلبات، لا سيما في ظل بيئة تتسم بالمخاوف بشأن تدهور الوضع في الشرق الأوسط.

خامساً: الأسواق المالية والعملات

تفاعلت الأسواق العالمية بشكل حاد مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، لا سيما في أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية على منشآت إيرانية. وانعكس هذا التصعيد بشكل مباشر على أسواق الأسهم العالمية، حيث أدى قلق المستثمرين بشأن استقرار الطاقة والنمو الاقتصادي إلى موجة بيع واسعة النطاق. في الولايات المتحدة، انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 750 نقطة (1.8%)، ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.1%، ومؤشر ناسداك المركب بنسبة 1.3%. ويشير هذا إلى لجوء المستثمرين إلى أصول الملاذ الآمن مثل الذهب وسندات الخزانة والدولار الأمريكي في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية. من ناحية أخرى، حققت أسهم الطاقة مكاسب قوية. وارتفعت أسعار النفط بنسبة تراوحت بين 7% و9%، مما أثر إيجابًا على أسهم شركات مثل إكسون موبيل وشيفرون ودايموند باك للطاقة.

من ناحية أخرى، عانت أسهم شركات الطيران والشحن من مخاوف ارتفاع تكاليف الوقود وتراجع الطلب على السفر. أدى ذلك إلى خسائر في أسعار شركات مثل يونايتد إيرلاينز ودلتا وكارنيفال كروز لاينز. كما عانت أسهم التكنولوجيا، حيث انخفضت أسهم آبل وإنفيديا ومايكروسوفت بسبب حذر المستثمرين. ولم يكن القطاع المالي بمنأى عن الضغوط، إذ انخفضت أسهم البنوك بسبب مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي واضطرابات مالية محتملة.

في غضون ذلك، ارتفعت أسهم شركات الدفاع مثل لوكهيد مارتن ورايثيون ونورثروب غرومان، مدفوعةً بتوقعات زيادة الإنفاق العسكري. كما ارتفعت أسعار الذهب والدولار الأمريكي مع تحول المستثمرين إلى الملاذات الآمنة. وعلى الصعيد الإقليمي، شهدت أسواق الأسهم في الشرق الأوسط انخفاضات كبيرة يوم الأحد 15 يونيو، وسط مخاوف من تصعيد أوسع نطاقًا. ورغم هذه التقلبات، تعتقد بعض المؤسسات المالية أن تأثير الهجوم على الأسواق قد يظل محدودًا ما لم يتصاعد الصراع أكثر. أما بالنسبة للعملات، فعقب الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو 2025، شهد الدولار الأمريكي ارتفاعًا ملحوظًا مقابل العملات الرئيسية مثل اليورو والين، حيث تحولت الأسواق إلى الملاذات الآمنة في أعقاب تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط عقب الهجمات الإسرائيلية على إيران.

في غضون ذلك، ارتفع الدولار بنسبة 0.3% مقابل الين الياباني و0.1% مقابل الفرنك السويسري، بينما ارتفع مؤشر الدولار بنسبة 0.5% إلى 98.2، منهيًا بذلك سلسلة خسائر استمرت يومين. تُعزى هذه الزيادة إلى لجوء المستثمرين إلى الدولار كملاذ آمن خلال فترات الاضطرابات العسكرية، مما يعكس رد فعل نفسي معروف في الأسواق العالمية. يشير محللو السوق إلى أن التاريخ يُظهر أن الدولار يميل إلى الارتفاع فور اندلاع صراعات مماثلة، لكن العملية العسكرية المطولة قد تُقوض الثقة في الأسواق العالمية وتؤثر سلبًا على معنويات المستثمرين. على الرغم من المخاوف بشأن التصعيد بين إسرائيل وإيران، يعتقد بعض المحللين أن أكبر تهديد للاستقرار المالي العالمي هو السياسة التجارية، وخاصة التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومع ذلك، فإن استمرار احتمال التصعيد العسكري في الشرق الأوسط جعل الدولار والذهب الخيارين المفضلين للمستثمرين الباحثين عن الأمان وسط حالة عدم اليقين العالمية.

سادساً: القطاع المصرفي

يُقلل ارتفاع أسعار النفط من احتمالية خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة في الربع الثالث من عام 2025. كما تُصعّب هذه التطورات الأمور على البنك المركزي الأوروبي. وقد انخفض التضخم في منطقة اليورو في الأشهر الأخيرة بفضل انخفاض أسعار الطاقة، ولكن من المرجح أن يتغير هذا الوضع الآن. ويُثير ارتفاع التكاليف مخاوف إضافية على قطاع التصنيع. وقد يُفاقم تصاعد التوترات في الشرق الأوسط من المشاعر السلبية ويُلقي بظلاله على النمو الاقتصادي، حيث يُكثّف المستهلكون ادخارهم وتُؤجّل الشركات استثماراتها. وإذا استمر هذا الوضع، فستشتدّ اتجاهات الركود التضخمي في منطقة اليورو، مما سيؤدي إلى خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة في سبتمبر 2025.

وفقًا لبلومبرغ، تستعد عدة بنوك مركزية، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا وبنك اليابان، للإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير مؤقتًا، مع مراقبة التأثير المحتمل للصراع على التضخم والنمو الاقتصادي. من أمثلة السيناريوهات المحتملة لقرارات البنوك المركزية:

من المتوقع أن يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير مع مراقبة تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على التضخم والتوقعات الاقتصادية قبل إجراء خفض تدريجي محتمل لأسعار الفائدة.

– بنك إنجلترا: واصل نفس المسار مع فرصة ضئيلة للتعديل المحدود وسط مخاوف متزايدة بشأن تكاليف الطاقة والضغوط على النمو المحلي.

ورغم أن بنك اليابان قد يتجنب رفع أسعار الفائدة، فإنه قد يعدل سياسته النقدية، وخاصة برامج شراء السندات، لمواجهة تقلبات السوق.

بنوك أخرى: من المتوقع أن تقوم السويد وسويسرا بإجراء تعديلات طفيفة، في حين من المرجح أن تترك البنوك في البرازيل وتشيلي وتركيا وإندونيسيا أسعار الفائدة دون تغيير.

في هذا السياق، من المتوقع أن تُمارس التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط ضغوطًا مباشرة وغير مباشرة على السياسات النقدية للبنوك المركزية في المنطقة والعالم. وفي ظل تزايد المخاطر الأمنية وانقطاعات سلاسل التوريد، قد تواجه اقتصادات المنطقة ضغوطًا تضخمية نتيجة ارتفاع أسعار النفط والسلع. وتشير التقديرات إلى أن كل زيادة بنسبة 10% في أسعار النفط تزيد التضخم العالمي بنحو 0.4% سنويًا، مما قد يدفع البنوك المركزية إلى اتباع سياسات نقدية أكثر تقييدًا لمكافحة التضخم. وفي المقابل، في حال تزايد حالة عدم اليقين وتباطؤ الاقتصاد، قد تواجه هذه البنوك تحديًا مزدوجًا: احتواء التضخم دون إبطاء النمو. وهذا يتطلب الموازنة بين الاستقرار النقدي والحفاظ على وتيرة الانتعاش الاقتصادي، لا سيما في الاقتصادات التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على عائدات النفط أو تتأثر بتدفقات رأس المال الأجنبي.


شارك