تأثير مبادئ ثورة ١٩ وانتماء محفوظ للوفد على نظرته للصحافة

منذ 11 أيام
تأثير مبادئ ثورة ١٩ وانتماء محفوظ للوفد على نظرته للصحافة

الحكيم.. صبري.. غانم.. بركة.. كتاب توجهوا إلى صاحبة الجلالة

اللص والكلاب.. ثلاثية.. القاهرة 30.. صحافة النفوذ والثروة

هناك العديد من الروايات والكتب التي مرت في أروقة صاحبة الجلالة، منها ما ذهب وراء الكواليس ليكشف أسرارها ويكشف عما خفي منها، ومنها ما مر دون أن يلاحظه أحد دون أي تدخل يذكر.

هذا هو كتاب «صاحبة الجلالة» للكاتب توفيق الحكيم الذي ذاع صيته وكان من الأسباب الرئيسية لشهرة مؤلفه.

هذه هي رواية «الرجل الذي فقد ظله» لفتحي غانم، والتي حولها المخرج كمال الشيخ إلى فيلم سينمائي وظهر فيها الصحفي بشخصية تنكرية ، فيما ظهر موسى صبري في روايته «الدموع». “عبّر لجلالتها عن أجواء العمل الصحفي وأسراره وطقوسه التي عاشها لمدة نصف قرن، ويصف المناخ العام للصحافة المصرية منذ أوائل الأربعينيات وحتى ثورة 23 يوليو وما بعدها بـ”الحب في المنفى”. يصور بهاء طاهر فترة المنفى التي عاشها بعد طرده من وظيفته في الإذاعة المصرية في منتصف السبعينيات.

بينما تركز رواية ” أشباح بروكسل” لمحمد بركة على رحلة الصحفي مكاوي الذي يسافر إلى بروكسل في مهمة عمل ويشعر وكأنه في المنفى، يرى أن المهمة عبء ثقيل ثم ينخرط في رحلة أخرى، والتي يفرضها في الوقت نفسه واقع جديد يتشكل في أوروبا، ألا وهو رحلة اللاجئين الذين وصلوا بشكل غير قانوني.

“باب الخيمة” لمحمود الورداني يحكي محنة الصحفيين حيث يتعامل الورداني مع عالم الوكالات والمكاتب الصحفية والصحف الحكومية ويقترب من الباب الخلفي لعالم الصحافة.

إلا أن القليل من الروايات التي تتناول جلالة الملكة تمكنت من رسم صورة أكثر دقة وواقعية عن شخصية الصحفي نفسه.

وفي الواقع، لا يمكن فصل صورة الصحفي عن الخطاب الأدبي. يعكس الصحفي طبيعة المجتمع واتجاهاته وتطوراته ورؤاه السياسية والأخلاقية بشكل أكثر وضوحا وكثافة.

وقد ركز نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل بشكل خاص على شخصية الصحفي. وقد تشكل أدبه، سواء في رواياته أو قصصه القصيرة، على نموذج الصحفي الذي يعتبره محفوظ شخصية تكاد تكون ذات أهمية ومؤثرة في تطور أحداث النص، ولكن هناك صور كثيرة للصحفي وأبرزها في أدب محفوظ. وهو الصحافي الذي لا يشبه المرشح المنافق، وغالباً ما يكون من يبيع كرامته من أجل الوصول إلى منصب أو الحصول على ثروة.

كثيرا ما يصف محفوظ الصحفي والكاتب في أيامه الأولى بالمتحمس والواعد، وما يؤكد انحياز محفوظ لأفكاره وأفكار شخصياته هو أنه لم يفلت أي صحفي من الجانب السلبي في رواياته، إلا أولئك الذين ظلوا وفيين له. للوفد مثل عامر وجدي في «ميرامار» أو صاحب ورئيس تحرير مجلة «الإنسان الجديد» المفكر التقدمي عدلي كرم في «السكرية»؛ ربما لأنه يمثل سلامة موسى، صاحب ورئيس تحرير مجلة «المجلة الجديدة» التي كتب فيها محفوظ أولى مقالاته الفلسفية.

وفي بعض الأحيان يتعاطف أيضًا مع القدوة الصحفية التي عانت من الظلم في عهد عبد الناصر.

فهل هذه الصورة المهيمنة واقعية وانعكاس فعلي للواقع، أم أنها متأثرة برؤية محفوظ الشخصية للصحفي؟

لنتحدث أولا عن النموذج الصحفي القائم على أعمال محفوظ، ثم نستمد منه إجابة سؤالنا.

**الصحفي الطامح الذي يحلم بالنفوذ والثروة:

ونرى في محفوظ عدة نماذج صحفية تحلم بالثروة وتسعى إلى النفوذ، مثل رؤوف علوان في «اللص والكلاب»، وأنور بدران في «قشتمر»، وعزيز صفوت في «الوقت الباقي ساعة» ومحمد بدران، مؤلف المواد الترويجية التي تدفع ثمنها الشركات، والسيد في “قيل وقال فوق النيل”.

ولنتحدث بإيجاز عن بعض الأمثلة في بعض القصص:

*نموذج الصحفي في “اللص والكلاب”:

فمثلاً في رواية «اللص والكلاب» نرى بطلها رؤوف علوان الذي تدفعه الانتهازية والنفعية والأنانية إلى احتلال أعلى المناصب في أشهر الصحف الحكومية، ومن خلال انتهازيته يرتقي إلى مستوى أعلى. وصل إلى قمة الشهرة والشهرة والثروة وانضم إلى فئة الأثرياء بعد أن هاجمها بمقالاته الصحفية أمس.

** الرواية (القاهرة الجديدة):

ويظهر في هذه الرواية ثلاث شخصيات كانت لهم علاقة بالصحافة (أحمد بدير، محجوب عبد الدايم، وعلي طه). ويطرح محفوظ من خلالهم رؤيته لمهنة الصحافة، مركزًا على شخصية «محجوب»، الصحفي الذي لا نهاية له ، الذي يتجرد من مبادئه ثم يفضل طريقًا مختصرة أخرى للتقدم المالي والاجتماعي، ألا وهو بيع شرفه مقابل مبلغ من المال. الوظيفة إذا تزوج من عشيقة مرؤوسته.

**في ثلاثية (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) تظهر الصحافة وحياة بعض الصحفيين قوية وحاضرة، ونرى أول مناقشة لذلك في نشر مقال لكمال أحمد عبد الجواد: في جريدة البلاغ الوسبية وفي الحوارات الكثيرة بين كمال وأصدقائه وفي السكرية نرى تفسيراً لصورة مهنة الصحافة عام 1941، خاصة لدى البرجوازية التركية القديمة، أي أن المؤلف إلى الخلاصة هو أن صورة الصحفي الذي اشترك في أدب نجيب محفوظ تحتفظ بملامحها حتى يومنا هذا.

والحقيقة أن هناك أكثر من كتاب مهم لمحفوظ تناول هذا الموضوع. وأهم هذه الكتب وأكثرها شهرة هو كتاب د. محمد حسام الدين إسماعيل أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة بعنوان “الصحفي في أدب نجيب محفوظ” والذي يبحث من خلاله المؤلف في صورة الصحفي في كافة المجالات… إلى تشمل أعمال نجيب محفوظ الروايات والقصص القصيرة.

ويرى المؤلف أن النماذج الصحفية التي لا تزال حية حتى اليوم في أدب نجيب محفوظ، لا تخبرنا فقط عن الخصائص الزمنية للمهنة وقت كتابة الرواية أو القصة، بل تتجاوز الزمن، أي الثقافة، وهذا ما جعل النقاد و يرى الباحثون في أدب نجيب محفوظ مثل هذه الأمثلة. بعض الأمثلة على رواية “المرآة” التي نشرها عام 1971، تصور شخصيات احتلت جزءًا كبيرًا من القرن العشرين – وما زالت قدوته تعيش معنا حتى اليوم، على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على كتابة الرواية. إن العناصر الثقافية شبه الثابتة التي لاحظها نجيب محفوظ تعبر عن خصوصية الخطاب الأدبي المتطور.

وفي رأيي (حسب المؤلف) «إن نماذج الشخصية الصحفية التي ابتكرها نجيب محفوظ، خاصة بعد أطفال حارتنا، لا تزال تعيش بيننا ولها تأثير في تشكيل حاضرنا ومستقبلنا».

* علاقة محفوظ بالصحفيين:

والغريب أنه على الرغم من ذكر محفوظ أمثلة صحفية سلبية في قصصه ورواياته، إلا أنه كان على علاقات جيدة مع الصحفيين وحافظ على صداقات مشهورة مع الكثير منهم، مثل رجاء نقاش، محمد عفيفي، صلاح جاهين، يوسف القايد، جمال العلي. – الغيطاني، إبراهيم عبد العزيز وآخرون.

لكن الفكرة الأساسية لمحفوظ هي جرأته الصادمة في التعامل مع الشخصيات والقدوات التي يعرفها، لأنه منهم يستمد شخصيات قصصه ورواياته، وكان لكل من جاء إلى حيه نصيب في أدبه، فكل من التقى به في وظيفة حكومية وجد نفسه لاحقاً منعكساً في أعماله، وأيضاً من المجتمع الصحفي أخذ أمثلة من الواقع الذي عاشه والشخصيات الصحفية التي التقى بها.

 

** موسوعة نجيب محفوظ:

أما الناقد الكبير ومحب محفوظ مصطفى بيومي، في موسوعته، فيمكن أن نستنتج أن وراء المصير المأساوي أو الاستبداد ضد زملائه المحترفين، موقف محفوظ نفسه السياسي في كل قصصه ورواياته قيمة وأهمية ثورة 1919 وحزب الوفد. ما أثر بقوة على توجهاته وأفكاره ومواقفه، بدءاً بوفده وانتمائه إلى الليبرالية اليسارية داخل الوفد، ثم موقفه من ثورة يوليو، وإيمانه بمبادئها، وعدم تصديقه لسياساتها، وصدمته من الثورة. النكسة، فخور بالنصر، موقفه من السلام مع إسرائيل وغيرها.

وفي النهاية نخلص إلى أن نماذج الشخصية الصحفية التي ابتكرها محفوظ، وخاصة في رواية أولاد حارتنا، لا تزال تعيش بيننا وتؤثر في تشكيل حاضرنا ومستقبلنا. ولهذا اعتمد على دراسته لتحليل خصائص وأدوار الصحفيين التي تطورت عبر المراحل المختلفة لأدبه، زمنيا وفنيا، مزجا ذلك برؤيته الشخصية لمهنة الصحافة التي رفض الالتحاق بها لأنه يلتهم معظم وقت عمله ويمكن أن يصبح عائقاً بينه وبين الإبداع .

 


شارك