«سنو وايت».. بطلة غير عادية بفيلم استثنائى تدعونا لنروى قصتها من جديد

أعترف أنني منذ فترة لم أشاهد على الشاشة فيلما مصريا بهذا الإبداع والروعة الفنية مثل فيلم “بياض الثلج” الذي يعرفنا على واحدة من أروع المخرجات، تغريد أبو الحسن، وهي تأخذ وتستمر الرحلة بنفس النبض، وسيكون لها مكانة مختلفة، وهي تمثل حقاً… بفيلمها الروح الحديثة للسينما المصرية المستقلة.
وتكمن جماليات الفيلم، الذي عرض عالمياً لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، في معالجة قصة واقعية جداً ونموذج لحياة صعبة وأيام بائسة بطريقة أقرب إلى الحلم، إلى قمة الحلم. ويشبع ضميرك بالفرحة التي تستطيع أن تعيشها وتشكل مسار أيامك كما يحلو لك دون أن تضطر إلى الاستسلام لمصيرك.
تدور أحداث الفيلم حول “إيمان”، شابة صغيرة القامة، طولها 119 سم. تبحث عن نفسها كفتاة مرغوبة لها الحق في الحب والزواج مثل أي فتاة أخرى، ويمكنها أن تتطور بحرية خارج القيود الاجتماعية اليومية والمظاهر الخارجية. وفي الوقت نفسه، تجد صعوبة في مساعدة أختها الصغرى على الزواج من خطيبها خالد، حيث أنهما يتشاركان نفس الرغبة في الحب الحقيقي.
لحظات إيمانية تنبثق بين الحلم والواقع القاسي. نراها سعيدة ومتمردة على حالتها الجسدية ويعوض ذلك بضحكتها الكبيرة وحواراتها الجذابة وفي علاقتها بعماد “محمد ممدوح” يخبرها أنه يحبها وعندما يلتقيان في الواقع تدفعه إلى رفضه. لكونها قزمة، وهنا تواجه صعوبات بسبب معايير الجمال التقليدية التي تفرضها ثقافة المجتمع.
ترفض داخليًا حقيقة أنها قزمة، وأنها تنتمي إلى هذا العالم، وتعتقد أن الآخرين أقزام بسبب سلوكهم.
الفيلم غير عادي، رغم أنه يدور حول عالم قاسٍ على شعبه ومشكلة اجتماعية مهمة، حيث يعيش ثلث أصغر سكان العالم في مصر. ومع ذلك، فهو لا يحاول فقط نقل رسالة، ولكنه يتجاوز أيضًا أي صور مباشرة ليعطي الناس صورة أكثر إلهامًا وأنه يجب عليهم التمسك بالحلم حتى آخر نفس. بعد مشاهدة الفيلم، ستدرك أنها قصتنا جميعًا.
هذا النوع من القصص جذاب حقًا، حيث يتميز بتقنيات السرد الحديثة والشعرية، مثل أسلوب الكاتبة المخرجة بالإضافة إلى جرأتها في تقديم فتاة صغيرة في الدور الرئيسي لتتحدث عن قصة حب تعيشها. إبراز تحديات وأبعاد الحياة اليومية.
وفي الفيلم الاستثنائي الذي يجمع بين مزيج “خفيف” من الدراما والأسلوب الواقعي، نجد البطلة الشابة مريم شريف صغيرة القامة، تجسد شخصية إيمان بمنتهى المهارة والمرونة والاحترافية… وبصورة مذهلة ومذهلة. أداء ساحر في قلب القصة. في تفاصيل أدائها هناك الواقعية والبراءة ونظرة العيون التي تعرف متى تحزن ومتى تفرح ومتى تجمد عواطفها ومتى ترقص. لقد أخذتنا حقًا إلى عالمها لنفكر ونقرر العيش والتنفس. إنها السينما التي ولدنا بها من جديد.
ولعب محمد ممدوح دوره كعاشق على الإنترنت دون أن يكون مصطنعا، كما فعلت صفوة في دور شقيقتها وخطيبها محمد جمعة. وشكلوا ثنائيا متميزا، بالإضافة إلى ظهور خاص للفنان كريم فهمي. الذي جسد دور النجم أو الفتى من أحلام إيمان، وهنا لن أنسى مشهداً خيالياً ترقص فيه معه. كان الأمر مذهلاً ومليئًا بالمشاعر، ومثل تغييرًا خاصًا في شخصية بطلتنا التي ظهرت كامرأة كاملة على موسيقى وكلمات أغنية وردة “يوم وليلة”.
كما كانت هناك مشاهد درامية مذهلة كان تصويرها معنويا وكانت استنتاجاتها خيالية، منها المشهد الذي كان فيه والد الشاب قصير القامة وهو يحتضن صورة زوجته على أنغام أغنية لعبد الوهاب ويتذكر قصة حبه والانفصال عنه برحيلها.
وتمثل إيمان في الفيلم صورة امرأة مصرية قوية الإرادة تحاول تحقيق أهدافها. رسالته هي أن تتصالح مع نفسك وتتقبل الآخر، لأنه حتى لو كان هذا “الآخر” يبدو مختلفًا، فإننا في نهاية المطاف نتشارك نفس الاحتياجات والرغبات الإنسانية. الفيلم ليس مجرد عمل فني، بل هو أداة لتصوير تاريخ اجتماعي حقيقي، ربما يتعلق بالزواج والإعاقة والأخوة، ولتحفيز المناقشات التي تتطرق إلى مواضيع لا يطرحها المجتمع عادة.
يقول منتج الفيلم الصريح محمد عجمي: «نؤمن بأن ثقافتنا مليئة بالقصص التي تستحق أن تروى، وأن المجتمع يغض الطرف عن القضايا المتعلقة بالفئات المهمشة أو حول مواضيع لا يتم تقديمها على هذا النحو يكون.”
حظي موضوع الفيلم باعتراف دولي واسع النطاق وحصل على جائزة صندوق الأمم المتحدة للسكان في عام 2020.