مفتي الجمهورية يؤكد: حماية الماء والغذاء والطاقة واجب شرعي ومسؤولية وطنية لا تتجاهلها!

منذ 14 ساعات
مفتي الجمهورية يؤكد: حماية الماء والغذاء والطاقة واجب شرعي ومسؤولية وطنية لا تتجاهلها!

قال الدكتور نذير محمد عياد، مفتي الديار المصرية ورئيس الأمانة العامة لهيئات ومؤسسات الإفتاء في العالم، إن أهم ركائز الحضارة الإنسانية هي الماء والغذاء والطاقة، وبدون هذه الركائز الثلاث لا تستمر الحياة ولا تبنى الحضارة.

جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها في المنتدى البيئي الثاني للتنمية المستدامة بجامعة بنها، بعنوان “من الندرة إلى الاستدامة: التحديات والحلول”. جاء ذلك ضمن جلسة حوارية أدارها المهندس أيمن عطية، محافظ القليوبية، والدكتور ناصر الجيزاوي، رئيس جامعة بنها.

أشار سماحة المفتي إلى أن الحديث عن الطاقات المتجددة والموارد الطبيعية يُذكّر بواقعٍ مؤلمٍ تعاني فيه بعض الشعوب من شحّ المياه والجفاف نتيجةً للاعتداءات الصارخة على الأرض والبيئة. وهذا يتطلب وعيًا حقيقيًا بقيمة خيراتنا وبيئتنا، فهي ليست موطننا فحسب، بل والأهم من ذلك، أساس وجودنا الإنساني. خلق الله الإنسان، وكرّمه، وسخّر له كل شيء في السموات والأرض. لكن للأسف، كثيرًا ما يستغل الإنسان هذه النعمة جحودًا، وينتهك شريعة التسخير الإلهي. وهذا يتطلب فهمًا سليمًا لهذه الشريعة، التي تقوم على حماية البيئة وتوارث الموارد جيلًا بعد جيل دون إسراف أو هدر. واستشهد بقول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تُسْرِفُوا وَلاَ تَسْرِفُوا} [المائدة: 11].

أكد المفتي أن مسؤولية حماية البيئة لا تقتصر على أتباع دين معين، بل هي واجب إنساني عالمي، كما قال تعالى: “سأجعل في الأرض سلطانًا جديدًا”. وأضاف أن الأزمة البيئية الراهنة تعكس فجوة عميقة بين ما أراده الله للبشرية في تدبير الأرض، وما أدى إليه سلوكنا من تدمير وإسراف في الاستهلاك. تواجه البشرية اليوم تحديين رئيسيين: العمل الدؤوب والعمل الصالح، فالإيمان مرتبط بالعمل ارتباطًا وثيقًا، والعبادة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحماية الموارد الطبيعية وصون حقوق الأجيال القادمة.

وفي هذا السياق، أشاد فضيلة المفتي بجهود دار الإفتاء المصرية في تعزيز القضايا البيئية والتنمية المستدامة، مؤكدًا أن المؤسسة الدينية لعبت دورًا رائدًا في تعزيز الوعي البيئي الديني من خلال إصدار فتاوى متنوعة حول قضايا مثل تلوث المياه، وإهدار المياه أثناء الوضوء، وإعادة تدوير النفايات، والتدخل في شبكات المياه، والأغذية المعدلة وراثيًا. وسعت دار الإفتاء إلى ترجمة هذه الفتاوى إلى مبادرات مجتمعية ملموسة وتعاون مؤسسي، وناقشت سبل إطلاق حملات توعية وطنية مستمرة لترشيد استهلاك المياه. كما أشار فضيلته إلى مشاركة دار الإفتاء في العديد من الفعاليات البيئية، ولا سيما المؤتمر الذي عُقد في جامعة النيل بالتعاون مع مؤسسة مهندسون من أجل مصر مستدامة في يونيو 2025. وأكد في كلمته أن القضايا البيئية لم تعد ترفًا فكريًا أو همًا نخبويًا، بل أصبحت جوهر الأمن الإنساني والوجود العالمي. ودعا إلى الاعتدال في الاستهلاك والحفاظ على الموارد من أجل تحقيق مبدأ الاستدامة القائم على العدل والمسؤولية.

على الصعيد الدولي، أبرز فضيلة المفتي دور الأمانة العامة لهيئات ومؤسسات الإفتاء في العالم، التابعة لدار الإفتاء المصرية، في دعم مسيرة التنمية المستدامة. ففي عام ٢٠٢١، أصدرت الأمانة عدة أعداد من مجلة “جسور” تحت عنوان “الشريعة والتنمية المستدامة”. وفي عام ٢٠٢٢، استضافت أيضًا مؤتمرها العالمي السابع بعنوان “الفتوى وأهداف التنمية المستدامة”، والذي حضره علماء ومفتون من ٩١ دولة، بالإضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية. وتؤكد هذه الخطوة التزام المؤسسة الدينية بربط القيم الدينية بالأهداف البيئية العالمية.

في ختام المنتدى، قدّم فضيلة المفتي مجموعة من التوصيات العملية لدمج البعد الديني في السياسات البيئية. وشملت هذه التوصيات تعزيز الوعي الديني والوطني بالاستخدام الرشيد للموارد؛ وتنفيذ برامج توعية مجتمعية بالتعاون بين المؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية؛ ودعم المبادرات الوطنية والدولية للتنمية المستدامة، وخاصةً تلك المتعلقة بالأمن المائي والغذائي والطاقة النظيفة؛ والدعوة إلى إدماج مفاهيم الاستدامة البيئية في المناهج الدراسية والخطب الدينية لتنشئة جيل واعي يُقدّر النعم ويحافظ عليها. كما أكد فضيلته على أهمية تفعيل الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية بشأن القضايا البيئية، وترجمتها إلى مبادرات ميدانية وحملات عملية تخدم المجتمع وتدعم جهود التنمية. وتشمل هذه التوصيات دعم الابتكارات في مجال الطاقة النظيفة وإعادة التدوير، والتوسع في استخدام الطاقة الشمسية في المرافق العامة والخاصة، وتطبيق سياسات بيئية تعزز الشراكات بين المؤسسات الدينية والعلمية.

وفي لفتة تقدير وامتنان، قدم الدكتور ناصر الجيزاوي رئيس جامعة بنها درع الجامعة للمفتي تقديراً لجهوده المتميزة في تنمية الوعي الديني والثقافي والاجتماعي لدى طلاب الجامعة ودوره في دمج العلم والدين في معالجة القضايا المعاصرة.

حضر المنتدى عدد من الشخصيات البارزة، منهم الدكتور ناصر الجيزاوي، رئيس جامعة بنها، والدكتور السيد فودة، نائب رئيس الجامعة لشئون البيئة والمجتمع، والمهندس أيمن عطية، محافظ القليوبية، والدكتور سلامة داوود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور أيمن فريد أبو حديد، وزير الزراعة الأسبق، والدكتور علي شمس الدين، رئيس جامعة بنها الأسبق، ولفيف من نواب رئيس الجامعة والعمداء والعمداء المساعدين وأعضاء هيئة التدريس بجامعة بنها، بالإضافة إلى عدد كبير من الطلاب ولفيف من القيادات الأكاديمية والباحثين والمهتمين بشئون البيئة.


شارك