حشد: تقرير دولي يكشف إعدامات ميدانية مروعة في مراكز توزيع المساعدات الأمريكية والإسرائيلية بغزة

نشرت اللجنة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (هاشد) دراسة دامغة للباحثة القانونية لبنى ديب بعنوان “الإعدامات الفورية في نقاط توزيع المساعدات الأميركية الإسرائيلية”.
يكشف التحقيق عن الواقع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة، حيث تحولت نقاط توزيع المساعدات الإنسانية المزعومة إلى مصائد موت يومية خلال انتفاضة الأقصى في عام 2025.
وباستخدام إفادات شهود عيان وتحليلات طبية وبيانات موثقة، يظهر التقرير أن ما يسمى بـ”نقاط التوزيع” تحولت إلى مناطق إعدام حيث يتم إطلاق النار على المدنيين الجائعين تحت ستار المساعدات الإنسانية.
نقاط التوزيع في غزة: من مناطق المساعدات إلى مناطق القتل
يتتبع التحقيق الأحداث منذ افتتاح ما يُسمى “مراكز توزيع المساعدات” في 27 مايو/أيار 2025. هذه المراكز، الممولة من الولايات المتحدة وإسرائيل والتي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية، أصبحت بمثابة مصائد موت حقيقية. لا يُقابل المدنيون المصطفون للحصول على الطعام بالشفقة، بل بنيران القناصة والغاز المسيل للدموع والطائرات المسيرة والمراقبة البيومترية.
تقع المراكز في:
رفح
شمال غزة
شارع التين
نتساريم
زيكيم
وعلى الرغم من الترويج لها دولياً باعتبارها مناطق إنسانية محايدة، فإن التقرير يجد أنها في الممارسة العملية عبارة عن مناطق عسكرية تسيطر عليها إسرائيل، حيث يتم تنظيم وصول المدنيين إليها بشكل صارم وغالباً ما يتم قمعها بعنف.
نشأة وتأسيس المنظمة الإنسانية العالمية… الإنسانية الاصطناعية
نشأت مؤسسة غزة الإنسانية أواخر عام ٢٠٢٣ من منتدى ميكفيه إسرائيل، وهو تجمع غير رسمي لجنود الاحتياط الإسرائيليين ورجال الأعمال والمستشارين السياسيين. كان الهدف من هذا المنتدى تهميش وكالات الأمم المتحدة، مثل الأونروا، واستبدالها بمنظمة أكثر “حيادية” وقابلية للرقابة.
بفضل الضغط والتدخل المباشر من السلطات الأمريكية، سُجِّلت مؤسسة التمويل الإنساني العالمية رسميًا في جنيف في فبراير/شباط 2025، وبدأت عملياتها في غزة في مايو/أيار. ورغم أن المؤسسة لم تكن قد مارست أي عمل إنساني سابقًا، إلا أنها حصلت على تمويل أولي تجاوز 20 ألف فرنك سويسري، ووسّعت أنشطتها بسرعة.
ومن الجدير بالذكر أن قيادة مؤسسة الخليج للاستثمار تضم:
جيك وود – الرئيس التنفيذي وعضو سابق في مشاة البحرية الأمريكية ومؤسس فريق روبيكون.
ديفيد بيرك – الرئيس التنفيذي للعمليات وله خبرة في الاستراتيجية العسكرية.
جون أكري – رئيس البعثة، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سابقًا.
ويضم المجلس الاستشاري جنرالات أمريكيين متقاعدين ومسؤولين أمنيين سابقين في الأمم المتحدة ورؤساء تنفيذيين لشركات كبرى مثل ماستركارد وشركات فورتشن 500.
وتشمل الشركات المتعاقدة في العمليات اللوجستية والأمنية شركتي Safe Reach Solutions (SRS) وGlobal Delivery Company (GDC) – وهما شركتان اتُهمتا سابقًا بانتهاكات حقوق الإنسان في مناطق الصراع.
عسكرة المساعدات والإعدامات الميدانية
يوثّق التقرير بدقة حوادث إطلاق الذخيرة الحية اليومية في مواقع التوزيع. وتُظهر إحصاءات المستشفيات والمراقبين الميدانيين أنه بين 27 مايو/أيار و1 يوليو/تموز 2025:
قُتل 972 مدنياً، وأصيب أكثر من 4278 شخصاً، ولا يزال العشرات في عداد المفقودين.
تشير التقارير الطبية مرارًا وتكرارًا إلى هجمات قاتلة على أجزاء حيوية من الجسم، بما في ذلك الشريان الفخذي والصدر والرأس والرقبة. ويموت العديد من الضحايا في غضون دقائق بسبب نزيف حاد أو إصابات في الرأس. ويتفاقم هذا الوضع بسبب الانهيار التام للبنية التحتية الطبية في قطاع غزة.
إن استخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية ضد المدنيين العُزّل – بمن فيهم العديد من كبار السن والنساء والأطفال – ينتهك العديد من أحكام القانون الإنساني الدولي. “أُرسلنا للمساعدة، لكننا أصبحنا جلادين”.
ترسم شهادة مُبلّغ من شركة أمنية أمريكية، استأجرتها شركة UG Solutions، صورةً مُرعبة. يصف كيف وصل إلى واشنطن في 16 مايو/أيار، ونُقل إلى الشرق الأوسط مع 300 آخرين – بعضهم جنود مُدرّبون، وبعضهم مدنيون بلا خبرة قتالية.
لم نتلقَّ أي تدريب مناسب. أعطونا بنادق هجومية ومسدسات، زاعمين أنها عمل إنساني. لكن سرعان ما بدأنا نطلق النار على حشود من الجياع.
كان المتعاقدون يفتقرون إلى المعدات الأساسية، وأجهزة الرؤية الليلية، وحتى المعرفة الطبية. وكان استخدام رذاذ الفلفل وقنابل الصوت شائعًا، وغالبًا دون معرفة مسافات الأمان أو آثارها. ويتضمن التقرير العديد من الإفادات المماثلة من متعاقدين آخرين.
الطائرات بدون طيار والمراقبة: “أطلقوا علينا لقب الحيوانات”
أفاد العديد من المدنيين الذين تمت مقابلتهم بالاستخدام المتكرر للطائرات الرباعية المروحيات فوق خطوط الإغاثة. ووفقًا للضحايا، لم تُستخدم هذه الطائرات المسيّرة للمراقبة فحسب، بل أيضًا للاعتداءات اللفظية والشتائم.
ونقل أحد الضحايا عن طياري الطائرة المسيرة قوله:
“يا حيوانات، ماذا فعلتم بالطعام؟!” – قبل استخدام الغاز المسيل للدموع.
أزمة أخلاقية داخلية واستقالات
حتى أعضاء لجنة التخطيط التي أنشأت GHF أبدوا مخاوف أخلاقية. وصرح خمسة أشخاص شاركوا في مرحلة التصميم المبكرة بما يلي:
في البداية قيل لهم أن هذه مهمة إنسانية.
وتضمن النموذج النهائي قوات أمنية خاصة، وعمليات مسح بيومترية، ونقاط تفتيش عسكرية.
ويرى البعض أن هذا الإجراء يستخدم لتسهيل النقل القسري للسكان من وسط قطاع غزة إلى جنوبه، وهو عمل يمكن اعتباره جريمة حرب بموجب القانون الدولي.
النتائج الطبية: تشريح الجريمة
ويقدم التقرير تفاصيل عن العواقب الطبية للهجمات:
تؤدي إصابة الشريان الفخذي إلى الوفاة خلال دقائق.
تؤدي الطلقات في الصدر إلى نزيف في الصدر وانهيار الرئة.
تؤدي الطلقات النارية في الرأس إلى نزيف داخل الجمجمة وكسور في العظام وفتق في الجمجمة.
غالبًا ما تتطلب جروح الأطراف البتر بسبب نقص التروية أو العدوى غير المعالجة.
تؤكد صور الأشعة السينية والتحاليل التي أجراها أطباء مثل الدكتورة يارا أبو مار استخدام رصاصات عالية السرعة تهدف إلى إتلاف الجسم أو قتله. ويُعد استهداف أجزاء حيوية من الجسم انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي.
نظام المراقبة والإذلال
ووصفت عملية الدخول إلى نقاط التوزيع بأنها غير إنسانية:
المسح الحيوي الكامل عن طريق القزحية والتعرف على الوجه.
حظر كامل على جمع المساعدات للآخرين (بما في ذلك المرضى).
يتم تفتيش المشاركات الإناث من قبل موظفات مسلحات.
وتجري تحقيقات منفصلة مع عائلات الشهداء.
وبسبب الممرات الأمنية الضيقة والطوابير الطويلة، يقارن السكان المحليون هذه العملية بـ “رعي الماشية”.
لا توجد ضمانات للسلامة، ويُعتقل الكثيرون أو يختفون بعد وصولهم إلى مراكز المساعدة.
أصوات عامة: “نركض لنأكل ونرحل بالدماء”
تؤكد إفادات السكان الوحشية: “نركض كيلومترين للحصول على كيس دقيق. يطعن الناس بعضهم البعض بالسكاكين. رأيتُ ذات مرة رجلاً طُعن في رقبته وينزف حتى الموت”.
نتناول مسكنات الألم لنواصل المشي. جسدي يؤلمني. نُعامل أسوأ من الحيوانات.
لا أريد رفاهية. أريد فقط طعامًا. نحن نموت ببطء، كل يوم.
قضية قانونية: جرائم ضد الإنسانية
وتطالب الهيئة بما يلي:
تقوم شركة GHF بتعليق جميع عملياتها على الفور.
المحكمة الجنائية الدولية تبدأ تحقيقات في عمليات الإعدام المحلية.
السيطرة الكاملة على إعادة أموال المساعدات إلى منظمات الأمم المتحدة مثل الأونروا.
– إنشاء ممرات إنسانية آمنة دون المساس بالأمن.
ويتهم صندوق الأمم المتحدة للسكان بتسهيل ارتكاب جرائم بموجب نظام روما الأساسي، بما في ذلك التجويع المتعمد للمدنيين، والقتل خارج نطاق القضاء، والتهجير القسري.
انتهاكات وقف إطلاق النار والابتزاز الإنساني
يربط التقرير أيضًا إنشاء صندوق الأمم المتحدة للسكان بانتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار في 18 مارس/آذار 2025، عندما استأنفت حملتها العسكرية واسعة النطاق. وفي ظلّ منع وصول المساعدات وتزايد الضغوط الدولية، قُدّم صندوق الأمم المتحدة للسكان كحلٍّ وسطٍ سياسي.
ولكنها سرعان ما تطورت إلى أداة عسكرية مسيسة تحايلت على المعايير الإنسانية، وقوضت الأمم المتحدة، وحافظت على الحصار.
الخاتمة: “دعوا غزة تعيش”
وخلصت اللجنة الدولية إلى:
أصبحت المساعدة سلاحًا.
يتم استخدام الجوع كوسيلة للخضوع.
يتم استبدال القانون الإنساني الدولي بالحكم العسكري.
هذا التقرير، الذي يستند إلى أشهر من البحث الميداني والوثائق الطبية والأدلة المباشرة، يُقدّم الآن للمجتمع الدولي كوثيقة قانونية. يجب على العالم أن يتحرك ليس فقط لإنهاء القتل، بل أيضًا لاستعادة الكرامة والأمن والإنسانية لأهل غزة.
لتحيا غزة. ليبقى الطعام طعامًا. فلتتعافى البشرية.