“محاولة الأخوان لسرقة ثورة 23 يوليو: كيف فشلوا في تحقيق أهدافهم؟”

منذ 3 أيام
“محاولة الأخوان لسرقة ثورة 23 يوليو: كيف فشلوا في تحقيق أهدافهم؟”

في أربعينيات القرن الماضي، نجح الإخوان المسلمون في اختراق الجيش المصري وتشكيل عدة خلايا إخوانية بين الضباط، بقيادة مجموعة من أنشط ضباط الجيش. إلا أن معظم هؤلاء سرعان ما نأوا بأنفسهم عن الجماعة، لا سيما بعد رحيل المرشد الأعلى الذي بايعواه بالقرآن والسيف. ويعود ذلك إلى غموض تعليمات الجماعة ودعمها لإسماعيل صدقي والقصر. يضاف إلى ذلك نجاح جمال عبد الناصر في تجنيد معظم الخلايا والجماعات الوطنية الناشطة سياسياً داخل الجيش، والتي شكلت في نهاية المطاف تنظيم الضباط الأحرار، الذي نأى بنفسه عن جميع القوى السياسية العلنية والسرية.

عندما اندلعت ثورة 23 يوليو/تموز 1952، دعمتها جماعة الإخوان المسلمين. وتعاون رجالها مع الجيش للسيطرة على طريق السويس تحسبًا لهجوم بريطاني على القاهرة. كما تولى بعض رجالها حراسة المؤسسات العامة والسفارات ومراكز القيادة، خوفًا من تسلل عناصر تخريبية.

على الرغم من أن جمال عبد الناصر كان يائسًا لكسب دعم الإخوان للثورة، إلا أنه سرعان ما شعر بضغط من المرشد الأعلى وقيادات الإخوان. وقد جذبه تهديد الإخوان بإظهار قوتهم ودورهم في دعم الضباط ليلة 23 يوليو. فسر عبد الناصر هذا الضغط على أنه محاولة من الإخوان للاستيلاء على السلطة، مما دفعه إلى إقامة الحواجز في طريق حركتهم ومستقبلهم السياسي منذ منتصف أغسطس 1952. ونتيجة لذلك، بدأت غيوم كثيفة تتجمع فوق العلاقات بين الضباط والإخوان. ومع ذلك، فمن اللافت للنظر أن الأزمات التي ظهرت في نهاية عام 1952 وفي العام الثاني من عام 1953 لم تؤد إلى قطيعة أو استخدام للأسلحة النارية. بمعنى آخر، كانت قوى الجذب بين الطرفين أقوى من عوامل الكراهية والانفصال. وكل ذلك يعود في المقام الأول إلى أسباب سياسية واجتماعية. على سبيل المثال، عندما اقترح الضباط مشروع قانون الإصلاح الزراعي، عارض الإخوان وضع حد أقصى لملكية الأراضي، وانحازوا إلى رئيس الوزراء آنذاك علي ماهر، الذي طالب بوضع حد أقصى لملكية الأراضي بـ 500 فدان، وليس 200 فدان كما طالب الضباط. وحتى في هذه المرحلة المبكرة، طالبوا بعرض المسائل التي يناقشها مجلس قيادة الثورة والقرارات التي سيتخذها على الإخوان قبل إقرارها، مقابل استمرار دعم الإخوان للمجلس. ورغم أن مصدرنا هنا هو بيان مجلس قيادة الثورة، فإننا نعتقد أن طبيعة العلاقة بين الإخوان والضباط، أو على وجه التحديد بين بعض قيادات الإخوان وجمال عبد الناصر على وجه الخصوص، قبل 23 يوليو/تموز تدعم إمكانية وحتى ملاءمة مطالبهم بالمشاركة أو بعض السلطة إن لم يكن كلها من أجل “فرض الشريعة الإسلامية وإبعاد مصر عن العلمانية”.

بعد إقرار قانون الإصلاح الزراعي، ترددت الجماعة في دعم الضباط، الذين سعوا إلى دعمهم وتأييدهم دون أي مقابل. ورغم أن طبيعة الحراك السياسي بين الضباط والإخوان خلال هذه المرحلة المبكرة تجنبت الأزمات التي كانت ستؤدي إلى التباعد والصدام، إلا أن أزمة مشاركة الإخوان في الوزارة تُعتبر من أهم أزمات تلك الفترة. وقد بلغت ذروتها بطرد أحد أعضاء مكتب القيادة، وهو من الحرس القديم للجماعة، “الشيخ حسن الباقورى”. كما أدت إلى تعميق الانقسام داخل الجماعة.

كان مجرد إدراك علاقات القوة السياسية بعد تراجع الأحزاب، وانحدار المنظمات الشيوعية إلى العمل السري، وانشغالهم بالنقاشات النظرية كافيًا لجعل الضباط يدركون خطر الإخوان المسلمين، وأن قوتهم قد ازدادت، وأنها لا شك ترغب في دور سياسي يتناسب مع قوتها. أعتقد أن الضباط لم يكن أمامهم خيار سوى رفض الاستنتاجات التي كان من الممكن أن يستخلصوها من الاعتبارات المذكورة أعلاه. لذلك، سارعوا إلى التخطيط لتهميش الدور السياسي للإخوان تمهيدًا لحلهم. ومع ذلك، ظلت العلاقة بين الحزبين فاترة وودية حتى نهاية عام ١٩٥٣. ومع بداية عام ١٩٥٤، تصاعد الوضع بسرعة إلى مواجهة عنيفة، بلغت ذروتها بحملة اعتقالات واسعة النطاق ضد أعضاء الإخوان، تلتها قرار حل الجماعة في ١٤ يناير ١٩٥٤.

رغم حلّها، لم تتوقف أنشطة الجماعة. استمرّت هجمات عبد الناصر بالمنشورات العنيفة، ووُصِفَ نظامه بأنه “نظام علماني كافر”. خلال أزمة فبراير عام ١٩٥٤، دعمت الجماعة اللواء محمد نجيب، وشاركت في مظاهرات، بل وقادتها، مطالبةً بإسقاط عبد الناصر والمتآمرين الخونة في مجلس قيادة الثورة. كان التحالف مع اللواء نجيب خطوةً نحو مركز السلطة، لكن الأحداث سرعان ما كشفت ضعف “الرجل العظيم”، مما دفع الجماعة إلى التخلي عنه والالتزام بالحياد خلال الجولة الأخيرة من الصراع بين مجلس قيادة الثورة واللواء نجيب. كان حيادهم خلال أزمة مارس، في الواقع، أشدّ ضربة تلقّاها اللواء نجيب، حليفهم السابق، وأكبر دعم تلقّاه عبد الناصر ورفاقه.

لم يمضِ وقت طويل حتى اشتعل الخلاف بين الثورة والإخوان المسلمين مجددًا مع تصاعد الأحداث. دافع الإخوان عن وجودهم بمهاجمة مجلس قيادة الثورة قبل توقيع اتفاقية الجلاء وبعده. وفي منشوراتهم العنيفة والمستفزة، هاجموا الاتفاقية، كما هاجموا عبد الناصر شخصيًا، متهمين إياه بـ”خيانة القضية الوطنية”.

كانت منشورات الإخوان وشائعاتهم تهدف إلى الاستفزاز والتحريض. وكان من أهدافها، من جهة، النيل من شعبية النظام، ومن جهة أخرى، الضغط على القوى المعادية لها في الداخل والخارج للإطاحة بعبد الناصر ومجلس قيادة الثورة. وقد أدى تفاقم الأزمة الداخلية داخل الجماعة، واختفاء المرشد الأعلى حسن الهضيبي، والاضطرابات داخلها من جهة، وتزايد ضغط النظام، وحملات الاعتقال المتكررة، وفشل المساعي اليائسة للتوفيق بين الطرفين من جهة أخرى، إلى خلق مناخ مواتٍ لظهور خطط للانتقام والثأر داخل الجماعة، موجهة بالأساس ضد الخائن المرتد جمال عبد الناصر ونظامه “غير الإسلامي”. وقد نجح أحد أعضاء الإخوان، حسن العشماوي، في جمع أدلة على ميل الإخوان إلى العنف والنجاة من أزمتهم الطاحنة. وفي مذكراته ذكر الكثير من الخطط الفعلية للانتقام والثأر التي وضعت للتخلص من عبد الناصر، والأمر الذي انتهى بإطلاق ثماني رصاصات طائشة على جمال عبد الناصر في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1948 في ميدان المنشية بالإسكندرية.

مثّلت محاولة الاغتيال الفاشلة هذه نهايةً مأساوية لأحد أهم فصول علاقة الإخوان المسلمين بثورة يوليو. فالطلقات الثماني التي أطلقها محمود عبد اللطيف، عضو الإخوان، لم تُصب عبد الناصر في القلب، بل قتلت الإخوان. مثّلت محاولة الاغتيال الفاشلة هذه فرصة ذهبية اغتنمها عبد الناصر لتوجيه ضربة قاصمة للإخوان، فاعتقل العديد من قيادات وكوادر وأفراد الإخوان، وقدمهم إلى محكمة الشعب، التي حكمت على سبعة من أعضاء مكتب القيادة بالإعدام، وعلى سبعة آخرين بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، وعلى آخرين بالسجن لمدد متفاوتة.


شارك