«لله درك يا ابن عباس».. الأوقاف تُعلن موضوع خطبة الجمعة 11 يوليو 2025 بطريقة مثيرة!

منذ 18 ساعات
«لله درك يا ابن عباس».. الأوقاف تُعلن موضوع خطبة الجمعة 11 يوليو 2025 بطريقة مثيرة!

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان “رحمك الله يا ابن عباس”. وتهدف هذه الخطبة العامة إلى لفت الانتباه إلى مخاطر الاختلاف، وإبراز حكمة الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، عالم الأمة ومفسر القرآن الكريم، في التعامل مع الخوارج، حيث كانت هذه الحكمة سبيلاً لإنقاذ الأمة من براثن الشقاق والاختلاف. كما تهدف إلى اقتراح سبل مواجهة هذا الفكر بعلم سليم، وفهم عميق، وحوار هادئ، وشرح وافٍ، بعيدًا عن الشدة والصرامة. كما تؤكد على ضرورة فهم النص الإسلامي في سياقه، ومعرفة أسباب نزوله وأصوله، والرجوع إلى أصول الشريعة الإسلامية ومقاصدها لحماية المسلمين من التطرف والغلو. وتتناول الخطبة الثانية أيضًا أهمية إيقاظ الضمير في إصلاح المجتمع.

الحمد لله رب العالمين، حمدًا غزيرًا طيبًا مباركًا، يملأ السموات والأرض، ويفعل ما شاء ربنا بعد ذلك. هداه إلى صراطه المستقيم، ويعلم بعلمه الأزلي عدد أنفاس خلقه. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. أشهد أن سيدنا وقرة أعيننا وقرة قلوبنا محمد عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. والآن:

نتوقف اليوم للتأمل في حدثٍ جليلٍ ونقاشٍ فريدٍ سطره التاريخ الإسلامي ببراعة. إنه النقاش بين الصحابي الجليل، عالم الأمة ومفسرها، عبد الله بن عباس، والخوارج. لم يكن هذا الحدث مجرد خلافٍ فكري، بل كان فضلًا من الله. فقد تخلى الخوارج عن جماعة المسلمين، وشقّوا عصا الطاعة، وحكموا على الكفار بالهلاك، واستحلوا الدماء، ظانّين أنهم يفعلون الخير ويتبعون الحق المبين. عمت أبصارهم عن فهم مقاصد الشريعة، وقست قلوبهم، وأبى أن يسمعوا صوت الحكمة. فهموا المظاهر وغفلوا عن الجوهر، وركزوا على الحرف وتجاهلوا الروح. أدى ذلك إلى ظهور حركاتٍ فكريةٍ في عهد سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه، الذي كفر المجتمع وحمل السلاح في وجههم.

أيها الناس، شاء الله أن يكون سيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قدوة في الجرأة والوضوح في مواجهة هذا الفكر المنحرف في عصره، فأخذ -رضي الله عنه- يُناظرهم، ويُفند باطلهم، ويُجيبهم على كل ما تطرفوا فيه، من مسائل السيادة والولاء والبراء، إلى التكفير واستحلال الدماء، بل وحتى قسوة الفهم. كان -رضي الله عنه- مثالاً للعالم الذي لا يهاب في الله لومة لائم، ولا يُفسح المجال للفكر المتطرف إلا حين يُفسد فيه. وأوضح لهم قولاً وفعلاً أن الفكر المتطرف في حقيقته قبحٌ مُطلق، قبحٌ يُهاجم كل شيء في الشريعة، نوراً ورحمةً وسعةً وجمالاً. إن عنف هذا الفكر في مظهره، وقسوة فهمه، وضيق أفق تفكيره، لا علاقة له بقيادة الإسلام، بل هو تطرف مرفوض، يمكن حماية المجتمع من شروره بالعلم والحوار والتعليم.

أيها الناس، هذه رسالة للمرتدين: هل فهمتم حقًّا حكم الله؟ سؤالٌ لخوارج اليوم: هل سألتم أنفسكم حقًّا: هل قتل الأبرياء، وتدمير الأوطان، وإشاعة الرعب والهلع بين الناس رحمة؟ ألم يقل ربُّ العزة في كتابه الكريم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

يا أمتنا المباركة، لقد امتدت هذه المشكلة إلى واقعنا الحاضر. وبناءً على هذا الإدراك، كفّرت جميع الحركات المتطرفة في عصرنا المسلمين، مما وضعنا أمام منهجين: منهجين فكريين مستقيمين ومستنيرين، ومنهجين مريضين ومضطربين. غاضبين ومندفعين وعدوانيين، يمتلكون الحماس لفهم الإسلام دون علم ولا بصيرة ولا أدوات فهم، بالإضافة إلى خصائص وسمات ثابتة أخرى. يظهر في موجات متتالية عبر الزمن، وفي كل مرة تمر فيها أجيال، تنبثق منها موجة جديدة بشكل مختلف وبشعار مختلف واسم مختلف. جديدان، لكنهما يتبعان نفس طريقة التفكير، ويكرران نفس الأقوال والنظريات، ويرتكبان نفس الأخطاء الجسيمة في فهم نفس الوحي.

أيها الأحباء، لقد أثمرت هذه المناظرة المباركة خيرًا عظيمًا، إذ عاد إليها ما بين ألفين وخمسمائة رجل، وهو عددٌ هائلٌ آنذاك. وهذا يدل على قوة الحجة، وسلامة المنهج، وفضل الله على القائمين على البيان. فكيف واجه ابن عباس تطرف عصره؟ بمواجهته بعلمٍ سليم، وفهمٍ عميق، وحوارٍ هادئ، وبيانٍ واضح، متجنبًا الشدة والصرامة منذ البداية، بل واجهه بحجةٍ بينت الدليل، وبيّنت الطريق، ليُعطينا ابن عباس -رضي الله عنهما- دروسًا بليغةً في مواجهة التطرف في كل زمان ومكان، مُبينًا أنه لا يُجابه بالشدة والعنف إلا بعد استنفاد جميع وسائل الحوار والبيان. جزاكم الله خيرًا يا ابن عباس.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيها المؤمنون، الضمير جوهرٌ روحيٌّ وميلٌ عميقٌ يُحدِّد أفعالَ الإنسان وأفكارَه، وبه يهديه الله إلى الخير والشر، ويهديه إلى رضوانه. ولذلك يسعى الإسلام إلى تربية المسلمين على وعيٍ تامٍّ، وتقواهم وطاعتهم لله، وتذكيرهم في كلِّ حالٍ بوجود ربٍّ -سبحانه- لا يغفل ولا ينام ولا ينسى. وقد أشار سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحالة في حديث جبريل عليه السلام: «قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

عباد الله، اعلموا أن المنهج الإسلامي في تربية الضمير وتقوية الوجدان الديني في النفوس يضمن سعادة الأفراد والمجتمعات والأمم. فبدون الضمير، لا يوجد إلا الشقاء والفشل الإداري والاقتصادي والاجتماعي والسياسي. فمهما بلغت القوانين والدساتير وأساليب مكافحة الجريمة وإدارة شؤون المجرمين من التقدم، فلا بد من وجود سبب واحد لنجاح كل هذا: “يقظة الضمير” – قولاً وفعلاً، بل حتى في مشاعر القلب وأفعاله.

أيها الناس، غرسوا في أبنائكم أن الضمير يمنع كل فساد. فهو يحمي الكاتب من الرشوة والسرقة والاختلاس، والكاتب من التزوير والغش، والطبيب من إهمال مرضاه، والمعلم من التقصير في واجبه، والمرأة من إهمال واجبها، والتاجر من الغش والاحتكار والغش في تجارته. وهكذا في جميع المجالات. فعندما يحيا الضمير، تكون السعادة والصلاح، وعندما يغيب، يكون الفشل والفساد.

اللهم أزل فساد قلوبنا

أنشروا بساط الأمن والرخاء والطمأنينة والأخوة في بلادنا.


شارك