وزير الخارجية يحذر: التصعيد الحالي يهدد المنطقة بالمجهول وصراع أوسع في الإقليم

منذ 10 ساعات
وزير الخارجية يحذر: التصعيد الحالي يهدد المنطقة بالمجهول وصراع أوسع في الإقليم

حذر وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي من التصعيد الحالي بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على إيران، مؤكداً أنه سيدفع المنطقة إلى حالة من عدم اليقين وصراع إقليمي أوسع سيكون له تداعيات غير مسبوقة على الأمن والاستقرار الإقليمي.

جاء ذلك خلال مشاركة وزير الخارجية اليوم السبت في الجلسة الافتتاحية للدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي ستعقد في إسطنبول يومي 21 و22 يونيو الجاري تحت شعار “منظمة التعاون الإسلامي في عالم متغير”.

وتهدف مشاركة وزير الخارجية إلى استعراض موقف مصر من التحديات والتطورات المتسارعة في المنطقة، والتنسيق والتشاور مع الدول الشقيقة لتبادل وجهات النظر وبلورة رؤية مشتركة لوقف التصعيد الحالي، والعمل على وقف إطلاق النار واستئناف العملية الدبلوماسية لمنع انزلاق المنطقة إلى الفوضى وعدم الاستقرار.

فيما يلي نص الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي خلال الدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي.

بسم الله الرحمن الرحيم

معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي

معالي وزير خارجية جمهورية تركيا

أصحاب المعالي والسعادة وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي

سيداتي وسادتي،

أود في البداية أن أعرب عن خالص امتناني لجمهورية تركيا لاستضافتها الدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي ولكرم ضيافتها وحفاوة استقبالها.

أصحاب السعادة، الضيوف الكرام

نجتمع اليوم في ظل تصعيد خطير تشهده المنطقة إثر العدوان الإسرائيلي على إيران منذ فجر 13 يونيو/حزيران الماضي. ويمثل هذا تصعيدًا إقليميًا سافرًا، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وتدين مصر هذا التصعيد، باعتباره تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

استبق الهجوم الإسرائيلي نتائج مفاوضات مسقط التي أطلقتها سلطنة عُمان الشقيقة، والتي كانت تهدف إلى إيجاد حل سلمي للبرنامج النووي الإيراني في ظل ظروف إقليمية بالغة التعقيد. وكان هدف هذه المفاوضات حماية المنطقة من موجة جديدة من التصعيد والتفكك والصراع، إذ لن تستفيد منها أي دولة في الشرق الأوسط، بل ستتحمل عواقبها جميع دول المنطقة دون استثناء.

تؤكد مصر مجدداً أنه لا حل عسكرياً لهذه الأزمة. كما تدين مصر الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على المنشآت النووية الإيرانية، والتي تُشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي وقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن ذات الصلة، والتي تواصل تل أبيب تجاهلها.

لذا، تؤكد مصر على أن معالجة الملف النووي الإيراني يجب أن تتم في إطار نهج شامل يراعي جميع المخاوف الأمنية المتعلقة بمنع الانتشار النووي في المنطقة، وذلك من خلال إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وتطبيق عالمية معاهدة منع الانتشار النووي، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. ويأتي ذلك في ظل رفض إسرائيل الانضمام إلى المعاهدة وإخضاع منشآتها النووية لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم القرارات الدولية العديدة في هذا الشأن.

أصحاب السعادة، الضيوف الكرام

تُحذّر مصر من أن التصعيد الحالي سيُغرق المنطقة في حالة من عدم اليقين وصراع أوسع نطاقًا، له تداعيات غير مسبوقة على الأمن والاستقرار الإقليميين. وهذا يتطلب تضافر الجهود والتركيز على وقف إطلاق النار، والعودة إلى طاولة المفاوضات، ووقف التصعيد العسكري الحالي.

وفي ظل هذا المشهد الإقليمي المعقد، لا يجب أن ننسى الجراح المتواصلة التي يعاني منها شعبنا الفلسطيني الشقيق نتيجة العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، فضلاً عن المساعي الخبيثة لطرد الشعب الفلسطيني الصامد والصامد من أرضه، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً للشرعية الدولية والقانون الدولي ككل.

أصحاب السعادة، الضيوف الكرام

لطالما لعبت منظمة التعاون الإسلامي دورًا محوريًا في دعم القضية الفلسطينية. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، نتحمل مسؤولية تاريخية في مواجهة محاولات فرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني، ووضع حد للانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، والتأكيد على أن الحل الدائم لمختلف الأزمات في منطقتنا لا يمكن تحقيقه إلا بمعالجة جذورها وأسبابها. ولتحقيق ذلك، يجب علينا إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

سيداتي وسادتي

لذا، تؤكد مصر أن القضية الفلسطينية ستظل على رأس أولويات سياستها الخارجية، انسجامًا مع دورها التاريخي في الدفاع عن الحقوق العربية والإسلامية. ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، سعت مصر، بالتعاون مع أشقائها في قطر، إلى وقف إطلاق نار دائم، وتوفير المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ووقف العدوان على كافة المستويات، لإنهاء الكارثة الإنسانية التي ألمّت بأكثر من مليوني فلسطيني.

وفي الوقت نفسه ترحب مصر بالمواقف الدولية والإقليمية الرسمية والشعبية الداعمة للحقوق الفلسطينية والرافضة للحصار والتجويع والانتهاكات الإسرائيلية الصارخة والممنهجة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

كما نتقدم بالشكر للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي على دعمها القيّم، الذي مكّن من اعتماد الخطة العربية الإسلامية لإعادة إعمار قطاع غزة في هذه المرحلة الحرجة، والتي لاقت ترحيبًا واسعًا من دول العالم. وتتطلب هذه الخطة تطويرًا مستمرًا لمفاهيم تنفيذها، بحيث يبدأ تنفيذها فور التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وانعقاد مؤتمر دولي رفيع المستوى في القاهرة.

أصحاب السعادة، الضيوف الكرام

بذلت مصر قصارى جهدها لدعم استعادة الاستقرار في السودان الشقيق، في إطار احترام سيادة السودان وسلامة أراضيه. ولم تألُ مصر جهدًا، وستظلُّ تبذل قصارى جهدها، للعمل مع شركائها وأشقائها على تعزيز الاستقرار في هذا البلد المهم، الذي يجمعنا به مصيرٌ ومسارٌ مشترك، ولإطلاق عملية سياسية بقيادة سودانية بعيدة عن الإملاءات والتدخلات الخارجية.

أصحاب السعادة، الضيوف الكرام

ونؤكد دعمنا للشعب السوري الشقيق ودعمنا لأمنه واستقراره والحفاظ على وحدة مؤسساته الوطنية وسلامة أراضيه وضرورة العمل على تحقيق انتقال سياسي يشمل كل أطياف سوريا.

كما تُدين مصر انتهاكات إسرائيل المتكررة للسيادة السورية واللبنانية، وتُشدد على ضرورة الانسحاب الفوري من الجولان وباقي الأراضي السورية، وكذلك من جنوب لبنان، والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701. وفي ليبيا، تُواصل مصر جهودها الدؤوبة لتحقيق المصالحة السياسية من خلال عملية سياسية شاملة تُمكّن الشعب الليبي من اختيار قيادته. ويشمل ذلك انسحاب جميع القوات والميليشيات الأجنبية من الأراضي الليبية لضمان حماية وحدة ليبيا وسلامة أراضيها، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ليبية في وقت واحد وسريع.

أصحاب السعادة، الضيوف الكرام

لقد آن الأوان لليمن، هذا البلد العريق، أن يستعيد توازنه واستقراره من خلال حل شامل يُنهي الأزمة الإنسانية التي عصفت به لسنوات، ويحافظ على وحدته ومؤسساته الشرعية. كما نؤكد دعمنا الكامل للصومال الشقيق، وندعو جميع الشركاء الإقليميين والدوليين إلى دعم الحكومة الصومالية والحفاظ على أمنه واستقراره، الذي يُعدّ جزءًا لا يتجزأ من استقرار المنطقة بأسرها.

أصحاب السعادة، الضيوف الكرام

فيما يتعلق بموضوع اجتماعنا الحالي: “منظمة التعاون الإسلامي في عالم متغير”، لا تزال دولنا تواجه تحديات تنموية. ويعود ذلك إلى التفاوتات التنموية الكبيرة بين الدول الأعضاء، وارتفاع معدلات البطالة والفقر في العديد منها، وتفاقم التهديدات العابرة للحدود، لا سيما الأمن الغذائي والفقر وأزمة اللاجئين. وهذا يتطلب توسيع نطاق اهتمامات دولنا لتشمل القضايا الاقتصادية والتنموية، بالإضافة إلى البحث عن فرص لتحسين التعاون الاقتصادي والاستثماري والتجارة الداخلية بين الدول الأعضاء. ولذلك، نرحب بالدعوة إلى مراجعة اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

في هذا السياق، أودّ التأكيد على أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي. فرغم أنه يُشكّل تحديًا لبعض المجتمعات، إذ يُحلّ محلّ وظائف مُعيّنة، ويتعيّن تنظيمه في إطار القانون الدولي، إلا أنه إذا أحسنّا استغلاله، كما فعلت وسائل التواصل الاجتماعي، فسيُوفّر فرص عمل جديدة في قطاعات أخرى، ويُسهم في سد الفجوة بين الدول النامية والمتقدمة. ولذلك، تدعو مصر إلى إنشاء فريق عمل داخل المنظمة لبحث سُبُل تحسين التعاون بين الدول الأعضاء في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال التنمية المستدامة.

لا يمكننا تجاهل تنامي الحملات المعادية للإسلام. وهذا يتطلب تعزيز دور المؤسسات الدينية والإعلامية في بلداننا للدفاع عن الصورة الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف، والتصدي لحملات التشويه من خلال حوار بناء قائم على معلومات دقيقة عن الدين الحنيف. وفي هذا السياق، ندعم جهود معالي المبعوث الخاص للأمم المتحدة لمكافحة الإسلاموفوبيا في توعية المجتمع الدولي بتنامي هذه الظاهرة ومخاطر تجاهلها.

أصحاب السعادة، الضيوف الكرام

إن العوامل المذكورة أعلاه والوضع الإقليمي المتوتر الذي نعيشه حاليا تدفعنا إلى التفكير جديا في إصلاح المنظمة وتطوير آليات عملها بشكل أكبر لمواكبة حجم التحديات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي نشهدها حاليا في العالم.

وفي الختام، أدعو الله العلي القدير أن يوفقنا لتحقيق أهدافنا التي تخدم مصالح أمتينا العربية والإسلامية. وأتمنى لكم جميعاً، ولجمهورية تركيا الصديقة على وجه الخصوص، كل التوفيق والنجاح في أعمال الدورة الحادية والخمسين.

شكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


شارك