«خطبة عيد الأضحى المبارك: موضوع “أيَّامُ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ” يضيء روحية العيد»

منذ 2 شهور
«خطبة عيد الأضحى المبارك: موضوع “أيَّامُ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ” يضيء روحية العيد»

اختارت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان “أيام الرحمة والمغفرة”. وتهدف هذه الخطبة إلى توعية الناس بفضائل وأهمية عيد الأضحى وأيام التشريق. أما الخطبة الثانية، فستركز على تعزيز التسامح والرفق بالإنسان والحيوان.

موضوع الخطبة الجمعة القادمة

الحمد لله رب العالمين، فاطر السماوات والأرض، نور السماوات والأرض، هادي السماوات والأرض. سبحانه! منه الفضل والرزق، وبيده الهم والغم. لا تطيب الألسنة إلا بذكره، ولا تمتلئ القلوب إلا بمعرفته ومحبته. نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفوه من خلقه، وحبيبه وخليله، ذو الخلق العظيم. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. والآن:

لا تزال نسائم عيد الأضحى المبارك تُبهج قلوبنا، وأيامٌ رائعة تنتظرنا: أيام التشريق المباركة، أيام الخير والبركة والرحمة والمغفرة. يقول أزهى الناس فضلها – عليه الصلاة والسلام -: «إن أجمل الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم يوم القر». ويوم القر هو… اليوم الذي يلي يوم النحر، وهو أول أيام التشريق الثلاثة. وسُمي بذلك لأن الحجاج يستقرون فيه بمنى.

أيها المسلمون، هذه أيام الله، فاغتنموها على أكمل وجه. إنها أيام عظيمة الشأن، عميقة الشأن. إنها أيام ذكر الله تعالى وشكره سبحانه على نعمه وفضله. قال تعالى عنها: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}، ووصفها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بأنها “أيام أكل وشرب وذكر الله”. وهذا الوصف النوراني يحمل في طياته معانٍ عميقة، فالأكل والشرب فيها مرتبطان بالذكر، ونعمة مقرونة بالشكر، فالمؤمنون يجدون بالأكل والشرب لذة في أجسادهم وراحة في قلوبهم بالذكر والشكر. صدق ربنا سبحانه وتعالى: {وَلَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.

عباد الله، اعلموا أن هذه الأيام المباركة فرصة عظيمة لتجديد عهدنا مع الله، والرجوع إليه تبارك وتعالى بقلب خاشع ونفس منسحقة. إن الله يُنزل علينا رحمته الواسعة، ويفتح لنا أبواب مغفرته التي لا تُحصى. إن رحمة الرحمن تبارك وتعالى واسعة، وباب التوبة مفتوح… على مصراعيه. هذه الأيام دعوة للرحمة والمغفرة والرأفة والتسامح، وشفاء القلوب المنكسرة، وإغاثة الفقراء والمحتاجين.

أيها الأحباب، إن أيام التشريق أيام رحمة ومغفرة بحق. فبعد أن ذبحنا الأضاحي تعظيمًا لله عز وجل، ووقف حجاج بيت الله الحرام بعرفة، وطافوا بها، ورموا الجمرات، أنعم الله عليهم بالخير الكثير، وفتح لهم أبواب رحمته ومغفرته. رحمته -ولله الحمد- لا تنضب، وفضله لا ينقطع. أيام التشريق فرصة ذهبية لتكفير الذنوب، وتطهير النفوس، وتطهير القلوب.

أيها الناس، انظروا إلى حجاج منى، كيف يتكاتفون ويتراحمون رغم اختلاف لغاتهم وألوانهم. تجمعهم كلمة التوحيد، ويهتدون بغاية واحدة: رضوان الله تعالى. فلنقتدي بهم، ولنجعل من مجتمعاتنا لوحةً جميلةً من الأخوة والمحبة، تتفتح فيها المودة. ومن هنا تنبع الأخلاق الفاضلة والقيم السامية.

أيها الكرام، اغتنموا هذه الأيام، فإنها فرصة ذهبية لتوثيق الروابط العائلية، وزيارة الأقارب، وسؤال الجيران، والاطمئنان على أحوال الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل. السعادة الحقيقية تكمن في الجود والعطاء، وإدخال السرور على القلوب. تذكروا قول الله تعالى في الحديث الشريف: “لقد صدقت محبتي للمتحابين في، والمتواصلين في، والمتزاورين في”. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب الناس أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعة”.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين. والآن:

ما أجمل أن نحوّل هذه الأيام إلى ملحمة من التسامح والرفق بين أفراد الأسرة الواحدة. إنها أيام الوحدة والتراحم، وأوقات من الصراحة بين الآباء والأبناء في إطار المحبة. التسامح والرفق كلمتان سهلتا النطق، لكنهما تحملان معانٍ عميقة وآثارًا عميقة على الفرد والمجتمع. التسامح صفة نبيلة تسمو بالنفس، وتتجاوز عن العيوب والنقائص، وتغرس بذور المحبة والوئام في المجتمع، وتزيل جذور الكراهية والشقاق، وهي بلسمٌ للجروح، وتُطفئ نيران الخلاف، وهي مثال التسامح. العفو عند المقدرة، والعفو العجيب عند المظلوم. العفو ليس ضعفًا، بل قوة خفية ينال بها الإنسان حقوقه، بشرط أن يُظهر حكمته. الكمال لله وحده، وكل ابن آدم خطّاء. رغم هذا الضعف الإنساني، لا بدّ من تقبّل المختلفين مهما بلغ الاختلاف. بغض النظر عن المظهر أو الدين أو طريقة التفكير، فإن هذا التقبّل يفتح أبواب العلاقات الطيبة. كم من خلافاتٍ حُلّت بالتسامح، وكم من خلافاتٍ تحوّلت إلى صداقاتٍ بفضل المغفرة والرحمة؟ تأملوا معي قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

أيها الناس، اعلموا أن الرفق كالتسامح. الرفق ليس مجرد كلمة عابرة أو تظاهرة عابرة، بل هو جوهر الدين والنفس البشرية. أليست اليد الدافئة التي تمد يد العون للمتعثر؟ أليست الكلمة الطيبة التي تشفي الجراح؟ هل لمسنا حلاوة الرفق في تعاملاتنا اليومية؟ ألم يوصِنا النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- بالرفق في كل شيء؟ قال: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله».

أيها الأحبة، اتخذوا خير الخلق وحبيب الحق -صلى الله عليه وسلم- قدوةً لكم، فإنه كان ألطف الخلق في معاملته، لطيف السمعة، رحيمًا بالضعفاء والمساكين، رؤوفًا حتى بالحيوان. واذكروا معي قصة المرأة التي دخلت النار بسبب قطة حبستها فلم تطعمها ولم تتركها وحدها. أنتم تأكلون من خشاش الأرض، وقصة الرجل الذي سقى كلبًا عطشانًا يلهث فغفر الله له. وتذوقوا روعة بلاغة محمد: “الخير لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شوهه”.

اللهم اجعلنا أهل اللطف والعفو والصفح.

وسدد على طريق السلام والأمن والكرامة بلادنا مصر.


شارك